الأحد، 17 مارس 2019

السرديات والتحليل السردي: سعيد يقطين



1 السرديات: المشروع والأفاق
لتطوير وعينا بالسرديات وجب ما يلي:
1.    علمنة السرديات الإقرار بعلمية السرديات على المستوى النظري والتطبيقي أي الوعي والممارسة.
2.    تعميق المعرفة السردية: من خلال الإطلاع على المعرفة والاجتهادات السردية، وإدراك الفروقات بين مختلف المشتغلين بها، وكذا مواكبة تياراتها ومقاصدها، (امتلاك رؤية ابستمولوجية دقيقة بالسرديات)
ولتحقيق العمق المعرفي توجب: تجنب السطحية والتمييز بين الاجتهادات والاسهام في تطوير السرديات.
كانت مرحلة التأسيس مع جيرار جينيت الذي وضع الأسس الضرورية لانطلاق المشروع السردي أما التطوير فاختار له سعيد يقطين نموذجين: "ميك بال وجاب لينتفلت"
وللكتاب غرضين: الغاية القريبة: تقديم معرفة بالنظريات السردية للقارئ –وإن كان غير متتبع-
الغاية البعيدة: الإمساك بالرؤية العامة التي تتحكم في السرديين وهم يطورون السرديات.

الفصل الأول: السرديات والنقد السردي
لو رصدنا المنجز السردي العربي وهو يعلن انتماءه –صراحة أو ضمنا- للسرديات، لألفينا أنفسنا على مستوى السطح وهذا يعود لتعاملنا مع السرديات على مستوى الوعي والممارسة، وكل ذلك يعود لطبيعة تصورنا للدرس الأدبي الذي يتسم بالعتاقة. حيث تعود جذوره إلى السؤال المكرر دائما: هل النقد الأدبي فن أو علم؟ كان الجواب النظري فن وعلم في الآن ذاته. لكن الجواب الحقيقي النقد الفني ويستحيل أن يكون علما.
كان هذا التصور مبررا إلى غاية ثمانينات القرن الماضي، لأن العرب كانوا يسيرون في فلك ما تنجزه الكتابات النقدية الغربية لكن وبانتقال البنيوية إلى العالم العربي –علمنة الأدب- شكل منعرجا لكنها للأسف وصلت إلينا منزوعة النزوع العلمي.
انقسمت البنيوية في العلم العربي إلى:
أ‌.        التقليدي: الرفض لأنها –حسبهم- حولت النقد الأدبي إلى خطاطات. وقيل أنها قتلت الإنسان والتاريخ والأدب.
ب‌.  الحداثي: نهلوا من مفاهيم البنيوية لكنهم أبقوا على التصور التقليدي فن/ علم ودليل ذلك أنهم طالبوا بما بعد البنيوية كما فعلت الكتابة الأنجلو أمريكية رغم أنهم لم يتمثلوا البنيوية بعد. حيث فهمنا البنيوية في ضوء تصورنا للنقد الأدبي فاعتبارناها: فنا وعلما لكننا في الحقيقة أضعنا العلم وفرطنا في الفن، فجاءت بنيويتنا عرجاء كسيحة وهو ما يبرر الانتقال لما بعد البنيوية، وكان مبلغ علم دروس الجامعة مراكمة المعلومات وتنسيقها دون هم نظري أو منهجي وحين تكون القضايا المتناقضة نعمد إلى التوفيق بينها في موقف وسطي متوهمين أننا بذلك أخذنا بأحسن ما فيها.
السرديات أهم المنجزات التي حققها الدرس الأدبي لكننا تبنيناها دون هم منهجي أو هاجس علمي فجاءت نقدا سرديا أكثر من كونها علما سرديا.

السرديات: علما للسرد
سنبحث في العلم والموضوع الخلفية والمقاصد:
العلم:
 ولتحقيقه وجب توفر 4 مقومات: الاسم الزمن الموقع والوسيط
أ‌.        الاسم: تحديد الاسم بدقة دفعا لأي التباس، وحصل تذبذب في البداية قبل أن يستقر الأمر أخيرا مع تودروف في 1967, فصار السرديات NARRATOLOGIE 
ب‌.  الموقع: له موقع خاص ضمن باقي الاختصاصات القريبة، وفق علاقات النسب (هو في ذاته علما كليا تنضوي تحته علوم أخرى)  أو التجاور (انتماؤه لعلم كلي ينضوي تحته.) وانتمت السرديات في البداية إلى البويطيقيا poétique
ت‌.  الزمن: ما قبل السرديات وما بعدها، حيث يمكن اعتبار 1972 وبالتحديد تاريخ صدور كتاب جيرار جينيت "خطاب الحكاية" وبالضبط مقاله: "مقال في المنهج' وهو تاريخ ميلاد السرديات.
تعود الجذور القريبة للسرديات للشكلانيين الروس بينما تمتد الجذور البعيدة لبويطيقيا أفلاطون وأرسطو شراحهما ولأن العمل العلمي ليس من أهدافه أن يتشكل في لحظة ما استجابة لظروف طارئة، وإنما هو مشروع بعيد المدى وعليه فقد عملت السرديات على تحديد مجال بحثها وتوسيعها، لذا فقد حققت:
./ الانفتاح: بعدما كانت راويا ومرويا انفتحت على علوم أخرى كاللسانيات وعلم الاجتماع والنفس.
./ التعدد: تجاوزت السرديات علاقاتها مع البلاغة واللسانيات فقط، حيث انفتحت على علوم أخرى.
أي أنه تم الانتقال من الخاص إلى العام حيث اهتمت في بدايتها بالسرد في الأدب ثم اتسعت لتشمل السرد في الصورة والحركة...
ث‌.  الوسيط: أي الاطار العام لمناقشة ونشر الأفكار السردية. وكانت مجلة بويطيقيا التي تأسست 1970 مع جيرار جينيت وتزفيتان تودوروف، بالإضافة لكتب منشورات عتبة seuil، ويمكن التأريخ ومعرفة المستجدات السردية من هاذين المصدرين، حيث يعكس: نوع المقالات ونوعية الكتب" تطور السرديات.
الموضوع:
اقترح الشكلانيون الأدبية موضوعا للبويطيقا الجديدة، من حيث هي الخاصية التي تجعل من عمل ما عملا أدبيا. وهذا الجواب يفتح الباب على كثير الأسئلة، لأن العلم لا يقف عند حدود المنجز والمتحقق، وإنما ينشد المحتمل والممكن الإنجاز، ثم جعل السرديون موضوعهم "السردية" narrativité قياسا على الأدبية فإذا بنا ننتقل من العام إلى الخاص.
السردية متنوعة بتنوع المشتغلين بها، وهطا التنوع يخدم مجال البحث ويطوره.
Sujet_ fabula المتن والمبنى الحكائي/ تر إبراهيم الخطيب، جيرار جينيت: القصة/الحكي/ السرد، تزفيتان تودوروف القصة/ الخطاب، ميك بال: الحي/ القصة/ النص السردي، ريمون كينان: القصة/ النص/ السرد.
إن الاختلاف في مكونات ومراتب موضوع السرديات دليل عافية لا مرض، حيث يؤدي إلى تحاور السرديين ونقاشاتهم وهو ما يفتح باب إخصاب النظريات وتطورها، لأن السرديات تغتني بتعدد النصوص السردية واختلاف الخلفيات والمقاصد للمشتغلين بها.
الخلفيات والمقاصد:









مفاهيم أساسية لدى جينيت:
_  الجنس، الخطاب، النص:
1.    الخطاب:
جملة كبرى، وبذلك ينقل جينيت مقتضيات تحليل الجملة إلى الخطاب الذي سيتحدد من خلال : الزمن الصوت والصيغة، بتوظيف مصطلحات بلاغية ويويطيقية بدلالات جديدة وتحقق كل هذا بصورة جلية في كتابه: خطاب الحكاية 1972.
2.    الجنس:
في كتابه: جامع النص، يتحدث عن نظرية الأجناس الأدبية حيث قدم رؤية جديدة، مميزا بين:
 الصيغ- الأنماط- الأجناس
الموضوع- الصيغة- الشكل

كما ربط في أخر الكتاب بين الأجناس والنص. حيث فصل في علاقة كل نص مع غيره من النصوص الأخرى "المتعاليات النصية" وذكر هذا في كتابه "ألواح" على ترجمة سعيد يقطين. وجعل جينيت البويطيقيا ليست فقط دراسة لـ"خصائص الخطاب الأدبي" وإنما لمعمارية النص ككل.
3.    النص: لم يفرق جينيت بين الخطاب والنص كغيره، في بدايته عندما كان يؤسس للسرديات انطلاقا من تحليله لرواية "في البحث عن الزمن الضائع" لبروست وإنما انتظر إلى غاية ظهور "التناص" باعتباره تحولا جذريا في مفهوم النص حيث غير موضوع البويطيقيا من معمارية النص إلى المتعاليات النصية.

لقد قام مشروع جينيت على تصور شمولي مفاده: لا يمكن تحليل الخطاب السردي دون رؤية عامة للأجناس الأدبية. كما لا يمكن فهم الأجناس الأدبية دون المرور على العلاقات المتعددة للنصوص المختلفة.
جينيت العالم الذي يفكر في موضوعه الخاص في صلته بالموضوعات القريبة، وهو يعالجها جميعا من منظور سردي بلاغي بويطيقي.


السرديات والتحليل السردي:
فرق جينيت بين القصةHistoire والحكي récit والسرد narration حيث:
القصة: المدلول أو المحتوى الحكائي. وتتصل بالمادة.
الحكي: الدال أو الخطاب أو النص أو الملفوظ، يتصل بالجنس.
السرد: الفعل السردي المنتج. يتصل بالنوع.
إن الموضوع السردي عند جينيت هو الخطاب في علاقته بالقصة، لذلك لم يعن بالقصة في ذاتها واكتفى بالنظر إليها من خلال تحققها بواسطة الخطاب. وعليه فإن حدود الخطاب السردي تتحدد بين الراوي والمروي له، حيث لم يهتم لا بالمؤلف ولا بالقارئ .
لما كانت الجملة عند اللسانين أعلى وحدة يهتمون بها فقد نظر جينيت للخطاب على اعتباره جملة كبيرة تتكون من جمل عدة لتكوين بنية تلفظية لها مقوماتها النحوية والدلالية. واستعار جينيت من اللسانين مقولاتهم وركز على: الزمن الصوت والصيغة ونظر لكل منهم في ضوء علاقة القصة بالخطاب والسرد.
1.    الزمن:
أ‌.        الترتيب: { استباق- استرجاع} ولكل منهما (سعة ومدى)
ب‌.   المدة: { التلخيص، الوقفة، الحذف، المشهد}
ت‌.  التواتر: { الانفرادي، التكراري، التكراري المتشابه}

2.    الصيغة:
أ‌.        المسافة: { خطاب الأفعال، خطاب الأقوال.}
ب‌.  المنظور: { التبئير الصفر، التبيئير الداخلي، التبئير الخارجي}

3.    الصوت:
أ‌.        المقام السردي: { خارج حكائي، داخل حكائي، ميتا حكائي}
ب‌.   زمن السرد: {سابق، لاحق، متواقت، مختلط}
ت‌.  المستوى السردي: {براني الحكي، جواني الحكي، ذاتي الحكي.}

كون جيرار جينيت رؤية متكاملة للسرد تتكون من:
المقولات الكبرى: كأسئلة الزمن والصيغة وموقع الراوي، لا يمكن لأي عمل سردي أن يخلو من هذه المقولات وإلا انتفى انتماؤه للسرد.
المقولات الصغرى (العناصر): هي أجزاء من المقولات الكبرى وتحضر في الأعمال السردية بصور متفاوتة باختلاف الأنواع السردية. وهي متحولة غير ثابتةـ ومثالها: المسافة والمنظور وسرعة السرد وتوتتره.
المكونات: وهي العناصر المتغيرة داخل النوع السردي الواحد بتغيير وعي الكتاب، كتغيير إيقاع السرد من حيث السرعة أو التواتر أو هيمنة صيغ معينة... حيث تخضع لأبعاد جمالية.

















ميك بال السرديات والدلالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق