الاثنين، 2 سبتمبر 2024

مورفولوجيا الحكاية لفلاديمير بروب

 تمت ترجمة هذا الكتاب مرتين وهذه هي الترجمة الثالثة لصاحبها  ود  وذلك لما رأياه من استخدام لمصطلحات غير عربية في الترجمتان السابقتان.

كُتب هذا الكتاب سنة 1928 وبقي كنزا غير مشهود القدر والقيمة، إلى أن ترجمه تزفيتان تودوروف من الروسية إلى الفرنسية.

إنه يجدر بنا أن نعطي المورفولوجيا كل الشرعية لتكون علما قائما بذاته، وأن نحتفي به. غوته

مورفولجيا هي علم دراسة الأشكال، وهي مستوحاة من علم دراسة بنية النباتات. علاقة الأجزاء ببعضها البعض وعلاقة الكل بأجزائه والعكس صحيح.

الكتاب لم يكن كتابا تاريخيا للقصص، وإنما وصفا لها.

كان ينبغي على الدارسين أن يصنفوا الأعمال بدءا من الداخل ومايحتويه، وليس بأن يقحمونه من الخارج على الجسمان.

التقسيم المألوف كان يقسم القصص إلى قصص عجيب وقصص حيوان، قد يبدو الأمر منطقيا بسيطا للوهلة الأولى، لكننا نتبين لاحقا أن العديد من قصص الحيوان تحتوي على قصص عجيب. ص19

ترتبط القصص العجيبة ببعضها البعض بطريقة متينة، تجعل من الصعب الاتفاق على نهاية موضوع وبداية آخر إلا بعد دراسة معمقة لموضوعات القصة وتحديد دقيق للمبدأ الذي يحكم اختيار الموضوعات.

وضع "آرن" خدمة وضع فهرس بالموضوعات، وكان يسمي الموضوعات أنماطا، ويعطي لكل نمط رقما، شكل كل هذا نقلة نوعية في هذا المجال.

وفي موضوع آخر إن الباحثين الذي يولون الوصف أهمية بالغة لا يعطون للتصنيف أي قيمة غالبا، والمهتمون بالتصنيف لايقومون دائما بوصف مفصل للقصص.

إن الموضوع يتكون من حوارك متعددة، وكل حرك ينمو ليصبح موضوعا بحد ذاته، وعليه وجب أن نبدأ بحثنا على أساس الحوارك أولا وليس الموضوعات.

إن اللغة الحية معطى مدروس، وأما دعامتها التجريدية فهي قواعدها.

يوجد في القصة قيم ثابته وأخرى متغيرة، الثابتة هي أفعال الشخوص، والمتغيرة هي أسماء الشخوص وصفاتها. ونخلص إلى أن القصة غالبا ما تسند نفس الأفعال إلى أشخاص مختلفة وهو ما يسمح بدراسة القصص استنادا إلى وظائف الشخصيات.

وعدد الوظائف غاية في القلة بينما عدد الشخصيات لا حصر لها.

ونخلص إلى خلاصتين مهمتين:

1. الوظائف هي الأجزاء المهمة في القصة التي تُبنى عليها.

2. عدد الوظائف محدود.

ص35

لترتيب الأحداث في القصة قوانينه ولترتيبها في المقصوص الأدبي قوانينه، فالسرقة لا يمكن وقوعها قبل كسر الباب.

الحرية في ترتيب الأحداث في القصة محددة جدا.

 إن تتالي الوظائف هو نفسه على الدوام، علما أنه قلما احتوت قصة على كل الوظائف.

وغياب بعض الوظائف لا يغير أبدا من تتاليها، وعلى هذا الأساس يمكن لاحقا تأليف فهرس للأنماط، ولا يوجد إلا محور واحد لكل القصص وباقي الأنماط ماهي إلا تفرعات لهذا المحور.

اقتفى بروب أثار 100 قصة عجيبة من قصص أفانا سييق بداية بالقصة 50 إلى غاية القصة 151 وذلك لأن القصص العجيبة تبدأ من هناك. هذا هو جسمان الدراسة، أما بقية القصص فسؤخذ كعنصر مراقبة لا غير.


وظائف الشخصيات:

هنا سيُعدد بروب وظائف الشخصيات في القصة حسب ترتيبها، وسيقدم وصفا وتعريفا موجزا لكل وظيفة وكذا العلامة الاصطلاحية التي أُسندت لها.

تبدأ القصص في العادة بعرض الحالة البدائية "الافتتاح" ثم الابتعاد ثم إبلاغ البطل بالمحذور ثم الحظر يتعرض للتجاوز ثم يسعى المعتدي للحصول على معلومات، يتقى المعتدي معلومات من الضحية ثم يحاول المعتدي خداع الضحية، تستسلم الضحية للخديعة، ثم يعتدي المعتدي على الضحية أو أحد أفراد العائلة، ثم أحد أفراد العائلة في حاجة إلى شيء ما، ثم تفشي خبر الإساءة أو الحاجة، البطل الباحث يقرر التحرك أو يوافق عليه، ثميغادر البطل داره، يخضع البطل للامتحان أو الهجوم، رد فعل البطل على المانح المقبل، يسلب الإخوة من أخيهم ما ظفر به، يرحل البطل ثانية ويقوم بالبحث من جديد، يخضع البطل مجددا لما يفضي به للعثور على أداة سحرية، يُنقل البطل إلى مكان المغامرة الجديدة، يصل البطل إلى بيته أو مكان آخر متنكرا، يقوم البطل المزيف بإظهار مزاعم زائفة، يكلف البطل بمهمة صعبة، ثم إنجاز المهمة، التعرف على البطل، افتضاح الشرير بطلا مزيفا أو معتديا، يكتسب البطل مظهرا جديدا، عقاب البطل المزيف أو المعتدي، يتزوج البطل ويتولى الحكم.

تتكون العديد من القصص من متواليتين من الوظائف نسميهما النسقين. وهذا ما يجعل الحكاية أحيانا تحوي على سلسلة من القصص.

النتيجة الأهم أن عدد الوظائف محدود جدا، حيث لا يمكن عزل أكثر من 31 وظيفة.

كما أن كل الوظائف تنتمي إلى محور واحد، حيث تنتهي كل وظيفة بوظيفة أخرى وفقا للتابع منطقي والجمالي.

تلتقي كثير من الوظائف في محاور كالمعركة والانتصار، والمطاردة والنجدة.

"التصويرة" تمثل وحدة قياس بالنسبة للقصص، تماما كالمتر وقطع القماش.


الإدغام: الدلالة المورفولوجية المزدوجة للوظيفة الواحدة

وجب بداية أن نتفق على وجوب تحديد الوظائف بغض النظر عن من يقوم بها أو كيفية قيامه بها.

وقد نجد أنفسنا إزاء إشكالية مفادها، أنه في بعض الأحيان يمكن تنفيذ وظائف مختلفة بطرق متطابقة. إنه إدغام لطرق إنجاز الوظائف. والحل هنا يتمثل في تحديد الوظائف بناء على نتائجها.


عناصر مساعدة تعمل كروابط بين الوظائف:

بعض الوظائف أقل أهمية من الوظائف الأساسية لكنها ضرورية لقيام هذه الأخيرة كنقل رسالة وتقديم تعريف ما أو حوار.


العناصر التي تمهد للتثليث

ويعني بذلك مثلا أن يكون الوحش ذو 3 رؤوس أو تبقى المهمة 3 سنوات، أو أن تون المهمة الثالثة هي الأصعب.

الدوافع: ونعني بها البواعث التي تدفع شخصية ما إلى إنجاز مهمتها. لكنها تبقى عنصرا أقل دقة من الوظائف والروابط.

عادة تكون أفعال الشخصيات في القصة مدفوعة تلقائيا بسير الحبكة، إلا أن وظيفة الإساءة تتطلب دافعا وهي الوظيفة الأساسية التي تقوم عليها القصة.

كلما كانت الأفعال متماثلة بين القصص كلما تنوعت الدوافع. وهي لا تمثل وظيفة تنتمي إلى الحبكة. بل هي صفة من صفات البطل.

القصة مثلها مثل الكائن الحي لا تلد إلا أطفالا يشبهونها.

توزيع الوظائف بين الشخصيات:

لا يمكن دراسة الوظائف وغض النظر عن الشخصيات التي تقوم بهذه الوظائف، تجتمع الوظائف منطقيا ضمن حقول عمل.

وبالتقريب تحتوي كل قصة على حقول العمل التالية: حقل عمل المعتدي، ح. ع المانح، المساعد، الشخصية ذات البحث، الطالب، البطل، البطل المزيف.

وهكذا تحتوي القصة على 7 شخصيات رئيسية تتوزع عليها الوظائف.

كيف تتوزع الحقول بين الشخصيات؟

ولهذا 3 احتمالات:أن يتفق حقل الوظائف تماما مع الشخصيات، وإما أن تحتل شخصية واحدة حقول عمل متعددة، أو حقل عمل واحد تتقاسمه عدة شخصيات.



لا تهم نوايا الشخصيات وما تريد القيام به، كل ما يهم هو أفعالها حقا.

تفعل الصفات أفعال الكائنات الحية، إذن فالصفات والكائنات والأدوات قيم متكافئة من وجهة النظر المورفولوجية القائمة على وظائف الشخصيات.

توزيع الوظائف على الشخصيات:

تجتمع العديد من الوظائف ضمن حقول عمل، وهي عديدة منها حقل عمل المانح، المعتدي، المساعد، الأميرة...

تتوزع الحقول على الشخصيات وفق احتمالات ثلاثة هي: 

1. يتفق حقل العمل تماما مع الشخصية "كأن تكون الشخصية مساعدة صرفة أو مانحة صرفة".

2. وإما أن تحتل شخصية واحدة حقول عمل متعددة، "كأن تجمع الشحصية بين كونها مانحة ومساعدة في ذات الآن".

3. حقل عمل واحد تتقاسمه شخصيات عدة كالأميرة ووالدها.

./ لا تهم نوايا الشخصيات "سواء أكانت شريرة أو طيبة، أرادت المساعدت أو الامتحان" ما يهم هو الأفعال التي ستقوم بها وتؤثر على سيرورة القصة.

./ تتصرف بعض الأدوات بنفس تصرف الشخصيات، وعليه وجب اعتبار الصفات والأدوات والكائنات الحية قيم متكافئة من وجهة نظر مورفولوجية قائمة على وظائف الشخصيات.

./ قد يقوم المساعد بإجراء بوظائف البطل النوعية.


الطرق المختلفة لإدخال الشخصيات في الحكاية:


لكل نمط من أنماط الشخصيات طريقة خاصة في الدخول في مجرى الأحداث، ولكل نمط أساليت خاصة منها: المعتدي، المانح، المساعد، البطل...

./ يمكن لشخصية ما أن تلعب في نيق مادواؤا معينا، وتلعب في نسق آخر دورا آخر.

صفات الشخصيات ودلالتها:

الصفة: مجموع الخاصيات الخارجية للشخصية، كالعمر والجنس والحالة والمظهر الخارجي... وهذه الصفات هي ألوان القصة وجمالها.

دراسة الشخصيات تقوم على 3 عناوين رئيسية: مظهرها، سكنها، شكل ظهورها.

فباباغان: تتسم بساق من عظم وأنف طويل، وهي تسكن بيتا يدور على ساقي دجاجة وظهورها على جزن مصحوبا بالضجيج.

وقد نضيف لها الوظيفة التي تنهض بها وكذلك كل ما قيل عنها من شخصيات أخر.

القصة ككيان كلي: ص 111














الأربعاء، 28 أغسطس 2024

محاضرات في السرديات العامة

استبدل الباحث عبد الله إبراهيم اسمالرواية التاريخية باسم التخييل التاريخي، أول روايات تاريخية كانت "وايفرلي" لولتر سكوت سنة 1815.
اتفق المؤرخون على أن رواية"زين" لمحمد حسنين هيكل سنة 1914 هي أول رواية في تاريخ العرب.
تتسم الرواية الواقعية الغربية بالنظرة التشاؤومية والسوداوية للحياة، بينما تتميز الرواية العربي الواعية بنظرتها المتزنة التي تحاولنقل الواقع بأمانة.
الوجودية جاءت استجابة للمشاعر التي خلفتها الحرب العالمية الأولى والثانية موضوعها الأساسي الإنسان والحرية والإنسانية. وهي لا تقصد الإنسان فرد يمثل المجتمع وإنما تقصده فرد مميز متميز لوحده داخل المجتمع.ارتبط الأدب الوجودي بسارتر وسيمون دي بوفورا، 





مقارنة بين باختين وجاكوبسون:

الثلاثاء، 27 أغسطس 2024

السرديات: مفهومها وحدودها وآفاقها يونس لشهب

يراجع الباحث المغربي تطور النظرية السردية كفرع قائم بذاته في الدراسات الأدبيّة، ويربطها من الناحية المرجعية مع «فن الشعر» الأرسطي. ويوضح عنايتها بالخصائص المميزة للسرد، وإنتاج المعنى، وحفريات الخطاب، وانفتاحها على إشكاليات الأبعاد النصيّة السيميائيّة والتداوليّة والتواصليّة.

السرديات: مفهومها وحدودها وآفاقها

يونس لشهب

مقدمة موجزة في النوع الأدبي والسردي

يتكون النوع الأدبي عندما تشترك مجموعة من النصوص في إبراز العناصر نفسها. هذه العناصر منها ما هو أساسي، ومنها ما هو ثانوي؛ فإذا لم ينضبط النص للعناصر الثانوية فإن انتماءه إلى النوع الأدبي لا يتضرر، أما إذا مرق من العناصر الأساسية/ المسيطرة فإنه يخرج من دائرة النوع ليندرج في نوع ٍٍآخر، أو يخلق، في أقصى الحالات، نوعاً جديداً(1).

إن تصنيف نص في خانة النصوص السردية، يستلزم أن يحترم ذلك النص جملة من العناصر المسيطرة أو القواعد الأساسية للنوع السردي، وقد أجملها د. عبد الفتاح كيليطو فيما يلي(2):

-        تعلُّق السابق باللاحق: فالنهاية تتحكم في كل ما يسبقها، وحرية القائم بالسرد لا تتجلى إلا في اختيار النهاية، إذ بمجرد القيام هذا الاختيار يفلت الزمام من يده، ويصبح أسير هذا الاختيار.

-        ارتباط تسلسل الأحداث بنوع الحكاية: إن أنواع الحكاية كثيرة، وهناك أنواع تفترض تسلسلاً معينا يكون على القائم بالسرد أن يراعيه؛ فالمرور من نقطة إلى نقطة في الحكاية يكون وفقاً لجدول من الأحداث يجب تكراره، وهذا ما نلاحظه في بعض الحكايات الشعبية، وفي المقامات: فالمعروف أن منشئي المقامات احترموا التسلسل الثابت للأفعال السردية على النحو الذي أرساه الهمذاني.

-        قاعدة تخص العرف والعادة وأفق الانتظار: إن الأفعال السردية في تسلسلها رهن باعتقادات القارئ حول مجرى الأمور، فالقائم بالسرد ملزم باحترام هذه الاعتقادات، إلى حدّ أنه يمكن القول مع رولان بارث: "إن القائم بالسرد فعلاً هو القارئ"(3). فالقائم بالسرد يعرف جيداً اعتقادات القارئ، ويوجه السرد حسب مقتضياتها. والجدير بالذكر أن لكل نوع سردي عُرفاً خاصاً به.

يزخر الفضاء السردي بأشكال سردية كالخبر والقصة والنادرة والسيرة والرواية..، ويحتل السرد مكانة مهمة وحيزاً كبيراً في الثقافات الإنسانية المختلفة، فهو، كما يقول بارث: "يوجد في كل الأزمنة وكل الأمكنة، وفي كل المجتمعات، يبدأ السرد مع التاريخ أو حتى مع الإنسانية، فليس ثمة شعب دون سرد، فلكل الطبقات ولكل المجتمعات الإنسانية سرادتها"(4).

إن السرد، بهذا المفهوم، فعل لا حدود له، يتسع ليشمل مختلف الخطابات، سواء أكانت أدبية أم غير أدبية.

بعد ما مرّ، يلح علينا السؤال الآتي: هل من سبيل إلى الحديث عن علم السرد أو السرديات؟ عن خطاب يصدر عن رؤية ومنهج دقيق، ويوظف جهازاً مفاهيمياً متميزاً من أجل مقاربة النصوص السردية وسبر أغوار الخطاب السردي؟

علم السرد: بين السردية والشعرية

تعد السردية فرعاً من أصل كبير هو الشعرية. والشعرية، حسب تزفتان تودوروف في كتابه "الدلالة والنظرية الأدبية"، هي نظرية الأدب(5)، ويشكل السؤال: "ما الأدب؟" محور اهتماماتها وعلة وجودها(6). ينسجم هذا الطرح مع ما ذهب إليه رومان جاكبسون سنة 1960 في محاضرته بجامعة إنديانا، وفي مقالته: "اللسانيات والشعرية"، عندما حدد موضوع الشعرية الأول في الإجابة عن السؤال: "ما الذي يجعل رسالة لفظية عملاً فنياً؟"(7) ، مؤكداً أن للشعرية كل الحق في أن تتبوأ الصدارة بين الدراسات الأدبية، نظراً لارتباط موضوعها بالاختلاف الذي يميز بين فن اللغة وبقية الفنون، وبينه وبين سائر أصناف السلوكات اللفظية(8).

ولقد بلغت الدراسات المعنية بالشعرية مرحلة متقدمة، وتواضعت تلك الدراسات على أن دلالة الشعرية، ليس السمة الشعرية للنصوص الشعرية فحسب، بل إنها استنباط القوانين والقواعد الداخلية للخطابات الإبداعية، أي خصائص الأنواع الأدبية، والنظم التي تكون عليها. وفي هذا السياق يقرر تودوروف أن موضوع الشعرية ليس العمل الأدبي في حد ذاته، بل إن موضوعها هو الخطاب وخصائصه النوعية(9). لا تسعى الشعرية إلى بلوغ التأويل الصحيح للأثر الأدبي، بقدر سعيها إلى بناء أدوات تمكّن من تحليل ذلك الأثر. وموضوعها ليس مجموع الأعمال الأدبية الموجودة، بل الخطاب الأدبي باعتباره مبدأ لتجميع ما لا نهاية له من النصوص(10).

وهكذا، بعد أن نهضت منهجية البحث الحديثة بتحديد مفهوم "الشعرية" بوصفها أصلاً، اتجهت نحو تأصيل "السردية"، وبذلك ظهر إلى الوجود علم جديد قوض، أو هو في سبيله لتقويض الانطباعات غير المسوغة، والمقاربات غير المنظمة، التي تحاول أن تتكئ على ثقل الخطاب السردي دون أن تفلح في استكشاف مجاهله، لأنها تؤمن بأن النقد ضرب من الحفريات في صلب الخطاب، بل وترى فيه جنساً من الأحاسيس التي يبعثها في المتلقي. وبدت معالم الطريقة التقليدية شبه مغلقة وعقيمة أمام الكشوفات التي تتوصل إليها السردية المعاصرة.

علم السرد: من الدراسة النظاميّة للسرد إلى السردية المعاصرة

كان أرسطو أول من أوقد جذوة تأسيس السردية تأسيساً منهجياً، من خلال اجتراحه الدراسة النظامية للسرد(11). وأقام بنيان ذلك التأسيس المنهجي ثلة من الباحثين منهم: هردر ولسنج وشليغل ونوفاليس وكولريدج ومالارمي. ليشهد تحليل الحكي منعطفاً جديداً مع الشكلانيين الروس، خاصة بعد تمييز توماشيفسكي ضمن العمل الحكائي بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي، وتركيزه على المبنى الحكائي، موضوع أبحاث الشكلانيين الروس(12). ولا ننسى بحوث جماعة براغ وأقطاب البنيوية والنقد الجديد، التي شكلت قسمات السردية المعاصرة. فوضع تودوروف مصطلح السردية، بالمفهوم الذي استعمله فلاديمير بروب في "مورفولوجية الخرافة" سنة 1928، الكتاب المقعِّد للسردية السيميائية. ويقصد بالمورفولوجيا دراسة الأشكال الحكائية، والقوانين المنظمة لها، على منوال مورفولوجيا تشكلات النبات العضوية(13).

اتخذت الدراسات النقدية الينيوية من عمل بروب المذكور، معياراً لطرائقها في الوصف والتحليل، وجرى تطبيقه تطبيقاً واسعاً في حقول الحكاية والرواية والقصة القصيرة. وقد رافق كل ذلك تدوين تاريخي لوصف هذه الجهود وتقييمها، تحت عنوان "شعرية السرد" أو "شعرية الرواية". ونلمس ذلك بوضوح في المدخل النظري لكتاب سيمور شاتمان "القصة والخطاب: بنية السرد في الرواية والفيلم"، وكتاب روبرت شولز "البنيوية في الأدب"، فضلاً عن مؤلف تودوروف "النظرية الأدبية الفرنسية اليوم"، ناهيك عن جهود الدارسين السوفيات مثل أوسبنسكي، والأنجلوساكسون مثل: بوث وفردمان وغيرهم. وأصبح علم السرد يمتلك حدوده ومفاهيمه وطرائقه في التحليل مع صدور العدد الخاص بالسرد، من مجلة "تواصلات" سنة 1966، خاصة وأن العدد ضم مقالات من حجم "مدخل للتحليل البنيوي للسرد" لبارث، و"مقولات السرد الأدبي" لتودوروف، و"حدود السرد" لجيرار جنيط. غير أن هذا العلم ظل، كما قال بارث، إلى حدود تأليفه "التحليل النصي"، معدوماً حتى لو أعطينا كلمة علم معنى واسعاً، بل إنه نفى حتى وجود ديجتولوجيا(14).

ولم ينتزع علم السرد الاعتراف به علماً له موضوعه الخاص ومنهجه المستقل، وجهازه المصطلحي إلا بصدور كتاب جنيط "خطاب السرد" عام 1972(15). أما عن التعريف بعلم السرد، فإن التعريفات تتعدد بتعدد المرجعيات والخلفيات التي توجه كل تعريف. وفي هذا المقام حسبنا أن نورد منها تعريفين: الأول لدافيد لودج، والثاني لأنيط هايوارد. يقول لودج: "علم السرد محاولة اكتشاف لغة السرد، أي النظام الأساسي للقواعد والإمكانيات التي يكون أي كلام سردي/ النص تحقيقاً لها"(16). وتعرفه أنيط قائلة: "علم السرد تحليل مكونات الحكي وآلياته"(17).

يتفق التعريفان في حصر موضوع علم السرد في الخطاب السردي، حيث يجعل الأول من محاولة اكتشاف لغة السرد، أو النظام الأساسي للقواعد والإمكانيات التي يكون أي كلام سردي تحقيقا لها، هدفاً للسرديات. بصيغة أخرى، نستطيع القول إنه محاولة لدراسة سردية السرد، أي ما يجعل من عمل ما عملاً سردياً، مثلما يحاول علم الأدب دراسة أدبية الأدب. وقد يبدو التعريف الثاني أكثر عمومية من الأول، لأنه يستعمل مصطلح "الحكي" (Le récit) بدلاً من الخطاب السردي، لكننا عندما نعود إلى مفهوم "الحكي" عند الباحثة نقف على مدى انسجام التعريفين، فالحكي عندها: "خطاب شفوي أو كتابي يقدم قصة"(18). وتقصد بالقصة الأحداث في ترابطها وتسلسلها الزمني(19).

والخلاصة: إن علم السرد يتوخى وضع اليد على لغة السرد، من خلال تحليل مكونات الخطاب السردي وآلياته، باعتبار هذا الخطاب خطاباً تهيمن فيه الصيغة السردية.

حدود السرديات وآفاقها. إن رسم حدود علم السرد وتدقيق موضوعه وتحديد مجاله قد أوجد اتجاهين متضاربين:

-        اتجاه حصري:

وهو الاتجاه الأقدم زمناً. نجد بوادره مع جنيط وتودوروف، وإليه ينتمي التعريفان السابقان. ينظر أصحابه إلى الحكاية من زاوية الإجراء التلفظي، الذي يتلخص في الفعل السردي، أي تلك العملية التي تأخذ على عاتقها تمثيل مجموعة من الأحداث انطلاقاً من وجود محفل منظم للحركة السردية وضابط لها(20) وفي هذا الاتجاه تندرج أعمال جنيط وكل من دار في فلكه. وتركز هذه الدراسات على الفعل السردي وكل العناصر المتولدة عنه: المواقع المختلفة للسارد، والأنواع السردية، والمستويات السردية، والحالات الخطابية. كما تركز من جهة ثانية، على دراسة العناصر التي تصب فيها التجارب الإنسانية بوصفها أجداثاً، أي الزمن بكل تجلياته(21).

وعند هذا الاتجاه أن سردية الخطاب تتحدد انطلاقاً من ثلاثة شروط: أن تكون صيغة السرد مهيمنة، وأن تكون العلاقة بين التقرير والحكي، كلما وجدت، منبنية على هيمنة الحكي، وأن تكون قصدية الكاتب، التي هي قصدية القارئ أيضاً من خلال الميثاق النوعي بينهما، أن يكتب ضمن حدود الخطاب السردي(22).

وتمثل النصوص التي تنضبط لهذه الشروط محور اهتمام علم السرد ومجال عمله.

-        اتجاه توسيعي:

ظهر هذا الاتجاه بعد السابق. ويتخذ "الموضوع"، أي الشكل التعبيري معياراً له. بصيغة أخرى، ينطلق من زاوية للنظر منمازة عن سابقه، ترتكز على الملفوظ، فيدرس الحكي بوصفه قصة، بمعنى: مجموعة من الأحداث المترابطة فيما بينها. وموضوع السرديات عنده متحقق متى وجد السرد، وكيفما كانت الصيغة الموضفة. وعليه يمكن الحديث عن السرديات العامة، أو سرديات مقارنة تقتحم السينما والمسرح وباقي الخطابات الحكائية(23).

ويتجلى هذا الاتجاه في أعمال كلود بريمون، الذي حاول إرساء قواعد منطق الحكي، بالكشف عن المنطق الذي يحكم الإمكانات السردية، وجهود كريماص، الذي ركز على عملية إنتاج المعنى انطلاقاً من مجموعة من الأحداث المترابطة(24).

لقد نتج الاتجاهان السابقان أساساً عن الاختلاف في موضوع علم السرد. وألقى ذلك بظلاله على البحث السردي، فكان في مرحلة أولى مع الاتجاه الحصري، يتمثل في دراسات تسعى إلى تشكيل أنموذج خاص لدراسة السرد بطريقة علمية، معتبرة السرديات اختصاصاً جزئياً يهتم بسردية الخطاب السردي. وقد عرفت هذه المرحلة من تطور الدرس السردي بالحقبة البنيوية(25) ، وإن كنا لا نعدم من الباحثين من يسميها: السردية اللسانية(26) ، لكونها استفادت كثيراً من البحث اللساني الحديث والمعاصر. غير أن التطور الذي حققته تلك الدراسات جعلها تنزاح تدريجياً عن أصولها الأدبية. فكان التحول الجذري بالانتقال من اختصاص الجزء إلى اختصاص الكل أو العام، بتجاوز هذه الدراسات السردية الأدبية إلى السردية غير الأدبية، واكتسبت السردية طابعاً شمولياً، باعتبار السرد فضاء لا حدود له، لاكتساحه مختلف الخطابات، الأدبية وغير الأدبية، وصارت السرديات تتأسس على هواجس علمية، مع اهتمامها بالسرد، تزاوج بين ما قدمته النظريات السردية وبعض العلوم الأخرى، مدشنة ما بات يعرف بما بعد البنيوية، أو السردية السيميائية، يؤطرها مسعى وضع اليد على دلالات الخطاب السردي، قصد الوقوف على البنى العميقة التي تتحكم فيه، متجاوزة المستوى اللساني المباشر. ومن الأسماء التي طبعت هذه المرحلة: بروب، وكلود بريمون، وكريماص.

وفي المرحلة الثانية، ولت السرديات وجهها شطر المتون الحكائية البسيطة والأساطير والقصص القصيرة.. وحاول الباحثون التوليف بين منجزات السرديات والمرجعيات اللسانية والدلالية وكذا العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع وعلم النفس والأنتروبولوجيا، وهذا ما اتضح في أعمال فلاديمير كريزينسكي، وهنري ميتران، وجان ميشيل آدم(27).

وبالرغم من عناية كل تيار بمستوى محدد من مستويات الخطاب السردي، إلا أن كليهما يجهد من أجل تقديم مقاربة معرفية للخطاب في مستوياته التركيبية والدلالية، تاركاً أمر التأويل إلى القراءة الذاتية للنص الأدبي، حيث تتشابك المعرفة بالإيديولوجيا، وتتداخلان تبعاً لنزوع المتلقي المؤول(28).

خاتمة

عرفت السرديات، مع تطور النظريات الأدبية والنقدية، وتعاظم نفوذ العلوم الإنسانية، تحولات عميقة إن على مستوى الموضوع أو المنهج. كما تبلورت مقاربات جديدة تجمع بين الشعرية البنيوية في امتداداتها الأسلوبية والنصية والسيميائية، والشعرية الجدلية أو التأويلية المعتمدة على معطيات اللسانيات والتحليلي النفسي والفلسفة وعلم الاجتماع(29) متجاوزة النطاق الضيف للنمذجة الوصفية ذات الطابع العام والمجرد، في أفق الانفتاح على أسئلة وإشكاليات جديدة، تتداخل فيها الأبعاد النصية والسيميائية والتداولية والتواصلية.

باحث وشاعر من المغرب

الهوامش

(1) عبد الفتاح كيليطو، الأدب والغرابة: دراسات بنيوية في الأدب العربي، دار الطليعة، ط2، أبريل 1983، ص21-22.

(2) نفسه، ص29 إلى 36.

(3) نفسه، ص36.

(4) حسن النعمي، قراءة في هيمنة الخطاب السردي، علامات في النقد، م12، ج45، شتنبر 2002، ص136.

(5) عبد الله إبراهيم، المتخيل السردي: مقاربات نقدية في التناص والرؤى والدلالة، ط1، حزيران 1990، المركز الثقافي العربي، ص148.

(6) Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, Oswald Ducrot- Tzvetan Todorov, Ed. Seuil, 1972, p: 107.

(7) Roman Jakobson, Essais de linguistique générale, traduit de l'anglais et préfacé par: Nicolas Ruwet, les Edits de Minuit, 1963, p210.

(8) نفسه.

(9) تزفتان تودوروف، الشعرية، مجلة مواقف، ع33، خريف 1978، ص125.

(10) Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, pp: 106-107.

(11) A. J. Greimas, J. Courtes: Sémiotique: Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, collection: Langage, LinguistiqueCommunication, dirigée par: Bernard Quémanda, Classique Hachette, Paris 1979, T1,p282.

وينظر: دافيد لودج/ تحليل النص الواقعي وتأويله، ترجمة ابن الغازي الطيب، دراسات أدبية ولسانية، ع5، ص69.

(12) سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي: الزمن- السرد- التبئير، المركز الثقافي العربي، ط1/1989، ص29.

(13) عبد الله إبراهيم، المتخيل السردي، م س، ص150. وينظر: سعيد بنكراد، مدخل إلى السيميائيات السردية، دار تينمل، ط1، 1994، ص9.

(14) رولان بارث، التحليل النصي: تطبيق على نصوص من التوراة والإنجيل والقصة القصيرة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي وتقديمه، منشورات الزمن، ط يناير 2001، ص7.

(15) عبد الله إبراهيم، المتخيل السردي، م س، ص151.

(16) السرديات: تعريفات أساسية، على موقعها:

Http://qsilver.queensu.ca/Hywarda/434/Genette.pdf

(17) دافيد لودج، تحليل النص الواقعي وتأويله، م س، ص70.

(18) السرديات: تعريفات أساسية، م س، ص1.

(19) نفسه.

(20) سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، م س، ص49.

(21) سعيد بنكراد، مدخل إلى السيميائيات السردية، م س، ص27.

(22) سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، م س، ص13.

(23) نفسه، ص13.

(24) سعيد بنكراد، مدخل إلى السيميائيات السردية، م س، ص27-28.

(25) محمد بلوحي، سيميائية الخطاب السردي: تأسيسات كريستيفا، بارث، بيرس، جاكبسون والعرب، كتابات معاصرة، ع47/م12، حزيران- تموز، ص48.

(26) عبد الله إبراهيم، المتخيل السردي، م س، ص146.

(27) محمد بلوحي، سيميائية الخطاب السردي، م س، ص85.

(28) عبد الله إبراهيم، المتخيل السردي، م س، ص85.

(29) يوسف شكير، السرد الروائي عند إدوارد الخراط، عالم الفكر، ع2/م30، أكتوبر دجنبر 2001، ص242.


الأحد، 18 أغسطس 2024

حواري مع صديقي الملحد للدكتور مصطفى محمود

 قانون السببية يقتضي بأن لكل شيء سبب فالرسم يدل على الرسالم والخلق يدل على الخالق.

ولا يمكن لهذا الخالق ان يكون خاضعا لمبدأ السبيبية وإلا صار مخلوقا مساويا لبقية مخلوقاته.

والله الذي خلق الزمان والمكان لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يخضع لهما وأن يُطبقا عليه.

نحن نعرف الله بالضمير وليس بالعقل.

لماذا لا تتعدد الألهة؟ لوحدة المخلوقات، فالجهاز العصبي والهضمي والتناسلي ووو عند جميع المخلوقات واحد، مع تعديلات بما يتناسب كل مخلوق ومحيطه.

الله لم يأمر بالشر ولكنه سمح له لحكمة يعلمها!

الحرية مع الألم أكرم عند الله من العبودية مع السعادة

الشر إذا اقتربت منه خُيل لك أنهوشر لكن إذا ابتعدت عنه ورأيت الصورة الكلية تيقنت انه خير مطلق.

ص 20




الأربعاء، 7 أغسطس 2024

أماريتا _الجزء الثاني من أرض زيكولا

 

هي رواية من تأليف الكاتب المصري عمرو عبد الحميد تعتبر الجزء الثاني من أرض زيكولا صدرت عام 2016.

يبدأ الجزء الثاني من أرض زيكولا الذي كان بعنوان أماريتا، بتصوير لحظة هروب أسيل من أرض زيكولا نحو بلدتها الأم بيجانا، وفي الغد من ذلك كان في استقبالها خبران الأول مفرح وهو نجاة خالد وعودته إلى بلده والثاني محزن وهو إعلان حاكم زيكولا خيانة الطبيبة أسيل وأنها مطلوبة حية أو ميتة، لم يطل الزمن طويلا حتى اقتيدت أسيل إلى زنزانة مظلمة في  بلدتها بيجانا، التي صارت بلدة فقيرة بعد كل الحروب التي خاضتها، حيث أنها صارت ملزمة على إرسال كل سنة ما يربو عن الألف سجين إلى أماريتا لتسديد ديونها عليها ضمن اتفاقية بيع الفقراء، فقررت أسيل أن تتسرب إلى جموع المرحلين إلى أماريتا فبغض النظر عن مصيرها ومصيرهم هناك سيكون أفضل لها من انتظار يوم إعادتها إلى أرض زيكولا وذبحها هناك.

رُحلت أسيل في جملة من رُحل إلى أماريتا التي كانت تبعد مسافات طوال قطعوها على متن مركبات وسفينة نقل بضائع وكثير من الجوع والعذاب والإهانات.

بعد طول لأيء وعناء وصلوا إلى أماريتا ويا للعجب كان في استقبال هؤلاء السجناء المرحلين ملك أماريتا شخصيا، استقبلهم أحسن استقبال وأعلن لهم أنهم أهل أماريتا الآن وليسوا لا عبيدا ولا أسرى، وأنه سيتم توزيعهم على أسر تقطن أماريتا لمدة 6 أشهر كاملة والمطلوب منهم خلال هذه الفترة كسب المال وإيجاد عمل ومع 100 قطعة نحاسية ول يستطع جمعها عندها يصير عبدا، وقبل كل هذا تم وشم الجميع على الكتف وشما يحمل رقما خاصا به، وكان في استقبال أسيل شيخ هرم يُقارع الخمر أكثر مما يشرب الماء، ل يحدثها إلا نُتفا، فعمدت إلى جبل قريب تعمل فيها نهارها كاملا بجهد جهيد يكون مقابله 10 قطع نحاسية ختام كل شهر.

ذات يوم وبعد يوم متعب وجدت أسيل الرجل العجوز ملقى في غرفته فاقدا للوعي غارقا في دمائه وهو يهمهم بكلمات غير واضحة ولا مفهومة سارعت أسيل إلى طبيب البلدة وأحضرت ليعالج العجوز وعكفت ساهرة عليه إلى أن بزغ فجر اليوم التالي ولم تذهب للعمل، بعدما رأى منها العجوز من حرصها عليها واجتهادها في مداواته، قص عليها قصة حياته كاملة غير منقوصة وكذلك فعلت هي الأخرى، ولما علمت أنه بحار بارع وأنه اجتاز بحر ميناجنا المرعب، وقفت أمامه فجأة دون سابق اعذار، لدي طلب أريد منك أن نبحر سويا أريد أن أصل إلى سرداب فوريك.

وهو ما حدث حقيقة، لكن وأثناء الرحلة وقبل الوصول توفي الرجل العجوز وتم الإمساك بأسيل هاربة وسجنت لخيانتها قوانين أماريتا،

يلعب القدر دوره ويعجب ملك أماريتا بأسيل بشجاعتها وأحبها، وذات يوم أغمي على أسيل واكتشفوا أن السبب هو نقص حاد في وحدات الذكاء ''العمل التي تتعامل بها أرض زيكولا  كما تحدثنا في الحلقة السابقة"، فما كان من تميم ملك أماريتا إلى أن يعلن الحرب على زيكولا قائلا جملته الشهيرة سأحتل أرض زيكولا لأجلك يا أسيل. وقبل ذلك أخذ تميم ملك أماريتا أسيل سرا إلى أرض زيولا لعله يجد حلا لمرضها قبل فوات الأوان، وهناك التقى بأصدقائها، وكان الحل الوحيد لمعضلاتها أن يعود خالد ويعيد لها بضعا من وحدات ذكائها. وهو ما حدث بأعجوبة.

وبعد اكتشاف حاكم أماريتا لفظاعة ما يحدث في زيكولا من اتجار بالبشر وقتل للفقراء فشن حربا هوجاء على زيكولا مستعيدا بخالد ورفاقه وانتصرت أماريتا وغيرت قوانين أرض زيكولا للأبد.

الأحد، 4 أغسطس 2024

العادات الذرية

اخترنا لكم في عدد اليوم كتاب عادات ذرية ATOMIC HABITS لمؤلفه جيمس كلير. صدر سنة 2018.

وهو من أحسن ما قد تطالع اذا أردت أن تتعلم كيف تبني عادات إيجابية وتتخلص من عادات سلبية والذرة هنا تعني مهام صغيرة الحجم بتأثير عظيم،

يعلمنا هذا الكتاب:

كيف نخلق الوقت من أجل اكتساب عادات جديدة

كيف نتخلص من نقص الحافز، ونتمتع بقوة الإرادة

كيف نغير بيئتنا المحيطة لتحقيق نتائج إيجابية في الحياة

 

العادة من الاعتياد وهو السلوك الذي اعتدت القيام به،

وضعك الحالي هو نتيجة مباشرة لما اعتدت القيام به من عادات تراكمت على مدار السنوات.

يحدث التغير الجذري في حياة الفرد منا لسببين اثنين، إذا تعرض لخطب جلل كحادث مرور غير مسار حياته أو فقد عزيز مثلا، أما السبب الثاني فهو تغير كامل للبيئة المحيطة بنا كالهجرة أو الزواج مثلا.

كلما مر الوقت صار هذا التغير صعب الحدوث معقد المراحل، لذا فإن الحل يكمن في ناء عادات صغيرة بريتم يومي تحت شعار "قليل دائم خير من كثير منقطع" وترجمها المؤلف بالقول "أنت لا تصعد بجهدك نحو أهدافك وإنما تنزل به إلى مستوى عاداتك."

يجب أن تنشغل بمستواك الحالي بدل الانشغال بالنتائج الحالية

تتكون كل عادة من 4 مراحل وهي كالأتي الإشارة وهي موجهة لعقلك اللاوعي تنبهه لأمر ما، قد تكون إشارة سمعية أو بصرية أوحسية، وقد يكون للعادة الواحدة عدة إشارات

المرحلة الثالثة الرغبة في القيام بذلك الأمر

المرحلة الثانية الروتين أي القيام

المرحلة الثالثة المكافأة الشعور الذي تحصل عليه بعد أداء الأمر

بناء على المراحل الأربعة يمكننا أن نستشف القوانين الأربعة لبناء عادة إيجابية أو هدم عادة سلبية:

وسنحاول أن نطبق هذه الأمثلة على عادة المطالعة

1.  اجعل الإشارة واضحة  /  أخفيها

2.   اجعلها محببة / اجعلها منفرة -دون كل سلبياتها على المدى القريب والبعيد.

3.  اجعلها سهلة "العادة يجب أن يتم تثبيها قبل تحسينها" / صعبها

4.  اجعلها مرضية اصنع لك مكافأة / اجعلها غير مرضية

 

1.  ضع كتبا أمامك دائما، ألصق اقتباسات محفزة على المطالعة في جدار غرفتك، غير خلفية هاتفك لصورة كتب.

2.   وذلك مثلا بدمج بين قراءة الكتب والاستماع لموسيقى تفضلها أو الاتفاق مع أصدقاء على قراءة نفس الكتاب ومناقشته لاحقا.

3.  ألزم نفسك بعدد قليل من الصفحات وزد مع الوقت، واختر كتب يسيرة في الفهم وبسيطة وزود مع الوقت. أو طبق قاعدة الدقيقتين أي اقرأ دقيقتين كل يوم واضف مع الأيام متى ما رغبت في ذلك. استعن بالتطبيقات المحفزة والمساعدة على القراءة ك GOOD READS

4.   بعد قراءة بضع صفحات كافئ نفسك بما تراه مناسبا. 

الثلاثاء، 2 يوليو 2024

رحلتي من الشك إلي اليقين دكتور مصطفى محمود

 الكون كله مبني وفق هندسة مضبوطة وتناسق دقيق والعلم كان المفتاح.

إن كل أفراد الوجود من أسرة واحدة، والوحدة بين مختلف المخلوقات تعني وحدة خالقها.

يقدم لك العلم العميق فكرة اسلامية كاملة عن الله.

لنيا تساوي الانتقال من حالة التية الى حالة التلبس معنى "يحق القول".


قد سبق إليه علم اللن علم حصر لا علم إلزام فالله لا يلزم أحد على الخطيئة ولا يجبره على شر.  

الضمير= السريرة=الفؤاد= يسميه الله السر "يعلم السر وأخفى"

إننا بداهة وبالفطرة ندرك أن العدل والنظام هوا ناموس الوجود   والمسؤولية _اي مسؤولية كل فرد عن أفعاله_هي القاعدة.

علم الفطرة يقيني أكثر من علم العلم لان هذا الأخير يقوم على الملاحظة والتجريب والاحصاء، أما حكم البداهة فله صفات القطع والاطلاق.

اذاكنا لا نرى العدل يتحقق في دنيانا لأننا لا نرى كل الصورة ولأن دنيانا الظاهرة ليست كل الصورة الحقيقية.

اذا كان الظمأ للماء يدل على وجود الماء، فإن الحاجة للعدل تدل عليه كذلك. ولأنه لا عدل في الدنيا فهو دليل على وجود الاخرة حيث العدل الحقيقي الأزلي.

الدين منذ الأزل واحد في الاركان العقائدية لكن الاختلاف في شرائع مختلف الأديان.

"الفضلاء من جميع الأديان على دين واحد"؟؟؟؟

تبدأ معرفة الله بمعرفة الله ومقامه الأسمى، وتبدا معرفة الله بمعرفة النفس ومقامها الأدنى، وهذا هو معراج السالكين في هجرتهم الكبرى نحو الحق.

الندم هو صوت الفطرة لحظة الخطأ.

الألم يجلو صدأ النفس ويصقل معدنها.

قانون التفاضل يحكم الوجود كله دنيا وآخرة، لكل واحد منا رتبة واستحقاق ومقام ودرجة ولن يستوي في كل هذا اثنان. ولا يكون الانتقال من درجة إلى درجة أخرى إلا بمقابل جهد واختبار وابتلاء:

الدنيا ليست كل الحكاية، إنها فصل في رواية، كان لها بدء قبل الميلاد وسيكون لها استمرار بعد الموت.

"هنا يرقد الرجل الصادق والسياسي العظيم"  قال عن هذا تشرسل ضاحكا لأول مرة أجد رجلين في تابوت واحد.

الدنيا لهاة قبل أن تكون مأساة.

الحق في القرآن هو الله وهو أحد أسمائه الحسنى، ونحن نرى الله رؤية بصيرة لا رؤية بصر.

الفطرة لا تقبل التشوية ولا التبديل، لأنها محور الوجود ومداره ولبه، وعليها تقوم كل المعارف والعلوم.

يقول الكاتب البولندي  ليوبولدفايس -الذي أسلم لاحقا وعاش في مكة- أن المسيح الدجال الذي يسع من وراء البحار ويرى من وراء الجبال وينزل الأمطار ويفتن المؤمين ضعاف الإيمان عن إيمانهم ما هو إلا التقدم العلمي والترف المادي ووسائل التواصل الاجتماعي.

وفي خضم شعورنا بالنقص إثر تخلفنا العلمي عن الغرب، صرنا نشعر أن ديننا ماهو إلا خرافات وجب أن نتخلص من تفاصيله لنلحق ركب الأمم المتقدمة. 

وعلينا أن نستوعب أن الماديات وسائل في خدمة الأنسان لتحرره من الضرورات المادية ليتفرغ إلى الفكر والتأمل ويثري روحه بالمعرفة الحقة.

الدين هو الذي يدلنا على أن كل العلوم وسائل وليست غايات،  والمادة في حد ذاتها مخلوقا مثلنا وليست إلها يعبد.

التقدم المادي مطلوب ولكنه وسيلة من وسائل الإنسان المتحضر لا أكثر.

الدين لا يرفض التحضر المادي بل يضعه كوسيلة لا أكثر، ولا يرفض العلم ولكن يضع كوسيلة لا أكثر.

رفض العلم ووسائله خطيئة كعبادة العلم ووسائله سواء بسواء.







الاثنين، 1 يوليو 2024

ركائز الإيمان بين العقل والقلب لشيخ الغزالي

 بعض الناس يسيؤون إلى الدين عندما لا يهذبون طباعهم البشرية.

الأديان دائما تصاب من سوء الفهم لها أو سوء العمل بها.


الثلاثاء، 11 يونيو 2024

نظرية القراءة

 وقد صنفت نظريات القراءة جنس القراء إلى عدة أصناف، حيث يمكن الحديث عن: القارىء النموذج عند أمبرطو إيكو، والقارىء الجامع عند ميكائيل ريفاتير، والقارىء الخبير عند فيش، والقارىء المرتقب عند وولف (Wolf)، والقارىء القصدي عند إيفيس شفيل(Yves Chevel)، والقارىء المثالي عند آيزر، والقارىء الخيالي عند آيز أيضا، والقارىء الضمني عند آيزر كذلك، والقارىء الملتزم، والقارىء المستهدف، والقارىء المورط، والقارىء المسقط، والقارىء التاريخي،...



تقوم القراءة النفسية أو السيكولوجية بقراءة النص الأدبي في ضوء المقاربة النفسية، من خلال رصد اللاشعور النصي واللاوعي الأدبي داخل النصوص الأدبية إن فهما وإن تفسيرا. ويعلم الكل بأن القراءة النفسية بدأت مع سيغموند فرويد(S.FREUD) الذي اكتشف منطقة اللاشعور، وربط هذه المنطقة بالأنا والأنا الأعلى، واستكشف مجموعة من العقد كعقدة أوديب، وعقدة إلكترا، وعقدة النقص. كما تحدث عن مجموعة من المفاهيم النفسية كالتعويض، والكبت، والتسامي، وزلات اللسان... وتبعه تلامذته في ذلك، فقد ركز يونغ (YOUNG)على اللاشعور الجمعي، واهتم أدلر(ADLER) بنظرية النقص. كما درس شارل بودوان(Ch.BAUDOUIN) العقد النفسية في مجال الإبداع الفني، واهتمت مارت روبير(MARTHE ROBERT) بنشأة الرواية من خلال التركيز على عقدة أوديب.

الجزائر تزُفُ الشهداء مرة أخرى

 لطالما كنا نحن هنا في الجزائر لا نُقدم إلا التضحيات الجسام، وأسراب الشهداء عندنا لا تُغادر إلا إذا كانت جحافل يعجز العقل البشري على استوعاب أرقامها لأول وهلة. طائرة عسكرية من نوع إليوشين 76 روسية الصنع مخصصة للنقل والامداد تسقط بالقرب من مطار بوفاريك بالبليدة بُعيد دقائق من إقلاعها بعدما اشتعلت بها النيران وتُسقط معها 257 شهيدا وألاف المحزونين واليتامى والثكالى والمفجوعين.

   
والمضحك المبكي أن التقنيين أكدوا على أن الطائرة صالحة للطيران إلى غاية ديسمبر 2023 رغم أن أجزاءها مربوطة فيما بينها بسلك شائك على الأرجح شارك في الحرب العالمية الثانية. واكتفى الرئيس ببرقية باردة منمقة هو في الحقيقة لا يدري عنها شيئا ولم نلمح أثرا لأفراد العصابة الحاكمة ولم نسمع لهم صوتا، وغرد التلفزيون الرسمي الجزائري بدبلوماسيته المعهودة خارج السرب كعادته فبثوا الشريط الوثائقي ووفوا لإشهار المواد الغذائية حقه ومستحقه، وسيبقى التحقيق في بلدي جاريا إلى الأبد ولن نسمع النتيجة مهما كانت صلة قرابتنا بشهداء الطائرة ومعلاق -القضاء والقدر- سيبقى عندنا مستعدا لرفع أثقال كل تهمة وتميمة نؤنا بحملها وما اصطبرنا عليها.
   
نملك في الجزائر شبابا موهوبا لا تشوبه شائبة ولا ينقصه شيء، ولكننا كذلك نمتلك خردوات لا تصلح لشيء على شاكلة طائرة الأليوشن المعمرة والسانبول -نوع من السيارات جزائرية الصنع إلى حد ما- المدمرة وغيرهما الكثير، فعندما كسبنا رهان العنصر البشري في شخص إسماعيل دوسن خسرنا رهان التكنولوجيا في طائرة عمرها أكبر من عمر من كان عليها، حُملت أكثر من طاقتها تماما كما يتحمل الجزائري كل يوم في ساحة معركة الحياة اليومية. أتساءل ماذا كان سيكون مصير أولئك الشباب لو أنهم ولدوا في بلد غير هذا البلد ولم ينهضوا بمهمة الذود عن أرض الوطن، نعم ربما سيكون القضاء قدرا محتوما وسيقضون نحبهم في ريعان شبابهم وفي سن فتي كذاك الذي كانوا عليه ولكن الأرجح أن طريقة وفاتهم ستكون أقل إيلاما، حيث سيجد الأب أجزاء ابنه متلاحمة على شكل جسم بشري لا رمادا كما وجدناهم هم، وستجد الأم قبرا يحوي وليدها فتتعهده بالزيارة بين الفينة والأخرى بمناسبة وبدونها على عكس الأم الجزائرية التي لن تجد لها عزاء غير دموعها وبعض الصور التي التقطها على حين غفلة من الزمن، وسيجد أبناءه مرتبا محترما احتراما لما قدمه والدهم لوطنه وهو ما لن يحدث في بلدي ولنا في قضية الناجي الوحيد من حادثة أم البواقي خير دليل وشاهد.

 

رحم الله شهداء الجزائر، والشهداء الذين سيلحقون حتما إذا ما استمر مسلسل اللامبالاة واستمرت حكاية الاستهتار. وعظم الله أجرنا في وطن كلما تناسينا الآلام شبرا أخذ منا شهداء كرة أخرى أفواجًا أفواجا

الشهادة عندنا تختار، تُصر دائما على الشباب وفي الغالب لا ترضى بسواهم، ومن بين الشباب تختار بعناية فائقة الخيرة، والخيرة فقط أبناء الجزائر العميقة وحدهم يموتون أبناء الشعب الذين يستيقظون كل صباح باكر يفتشون بين ركام البلاد عن لقمة عيش بغض النظر عن ما شابها سواء كان خطر موت محدق أو تعب مجهد وعزاءهم الوحيد "المهم خدمة".

 

ستنقم بعد هذا على كل شيء وأي شيء على الأليوشن وروسيا وأسئلة الصحفية البلهاء وموعد بث مباراة البارصا، ويوم الـ11 من كل شهر الذي صادف للمرة الثانية يوم سقوط الطائرة في بوفاريك بعد طائرة جبل فرطاس بأم البواقي التي سقطت يوم 11 فيفري 2014 والطائرة عسكرية هي الأخرى من صنع أمريكي خلف سقوطها 77 شهيدا.

 

وسيبقى بصيص الأمل يُطالعنا من بعيد في روح الطيار إسماعيل دوسن الذي أبى إلا أن ينقذ أرواح الأبرياء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فقاوم الموت وأجله لثواني منقذا أرواح من كانوا على الأرض بعدما علم أن روحه وأرواح من معه في طائرة الموت ستبقى هناك في السماء ولن تعود إلى أرض الوطن مجددًا، وفضل إسقاطها في منطقة فلاحية بعيدة عن الطريق السريع ووسط المدينة.
 
في الحقيقة السلطات عندنا لا تتعظ إلا بعد الكوارث -وقد لا تفعل- وما حادثة وفاة الأم الحامل بمدينة الجلفة عنا ببعيد، توفيت المرأة وقبلها وبعدها المئات من النسوة بسبب التهاون الطبي تارة وقلة العتاد وبعد المسافة واهتراء الطريق السريع شرق- غرب "أو بالأحرى سرق- نهب" أطوارا أخرى، عندها فقط تحركت وزارة الصحة ففتحت تحقيقا لم ينته إلى الآن.

وليست الطائرات عندنا فقط المهترئة الأمر كذلك بالنسبة للحافلات والطرقات وأسقف البيوت وأرضية العمارات وشبكات توصيل الغاز والكهرباء وأسرة المرضى وأجهزة التعليب ومعدات البناء ومواد لكن لن يُحرك أحد ساكنا ما لم يمت المئات بعد. أما الحالات الفردية والضحايا الذين يموتون لوحدهم وبأعداد قليلة فحظهم قليل وهم ولا شك كانوا سيؤولون إلى الزوال لسبب أو لأخر، والقضاء والقدر شماعة جاهزة أبدا لتحمل وزر هؤلاء وعزاء الجميع إنك ميت وإنهم لميتون.

 

من ذا يواسي أما تنتظر شهر رمضان لتكتحل عيناها بعودة صغيرها الذي يُصر عليها في كل مرة ينام على صدرها أنه كبُر وصار على عاتقه مسؤولية حماية البلد ولم يعد وليدها المدلل، ومن سيُجيب على أسئلة الطفل وهو حائر كيف تحرق الجزائر أبناءها وهم الذين تعهدوا لها بحمايتها من كل دخيل فلم يُدخلهم اللحود غيرها، من هو العدو الذي قتل والده بالضبط، الطفل صغير سيحتاج والده حتما لكنه حُرم منه ومن حقه أن يعلم من حَرمه سواء للانتقام أو حتى للاطمئنان ولا إجابة لكل ذلك إلا دمع مهراقة على خد والدته، ثم من ذا سيُقنع صبية بعمر الزهور تنتظر عودة خطيبها ليُتما معا مراسيم الزفاف بعد أن أثقلت العادات الخرقاء كاهلهما، من سيُقنعها وهي التي كانت تُحدثه قبل برهة عن أخر ما اقتنته استعدادا لزواجهما من سيقول لها بأنه لن يعود ولن يتم الزواج ولن ترى نفسها عروسا تُزف له..

 

رحم الله شهداء الجزائر، والشهداء الذين سيلحقون حتما إذا ما استمر مسلسل اللامبالاة واستمرت حكاية الاستهتار. وعظم الله أجرنا في وطن كلما تناسينا الآلام شبرا أخذ منا شهداء كرة أخرى أفواجًا أفواجا.

ليس للشعب إلا الشعب

 نجح الشعب الجزائر في امتحان حادثة سقوط طائرة بوفاريك التي راح ضحيتها 257 شهيدًا من خيرة شباب الوطن، حيث أبان الشعب على روح تعاون وتآزر منقطع النظير بين أفراده، وما آلاف المنشورات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي إلا سفح الجبل الذي ظهر للعالم أجمع، تنضوي تحته عديد المبادرات الفردية والجماعية للتخفيف من وطأة الفاجعة على ذوي الشهداء.

هذا التفاعل مع المأساة أحيا في نفوس الشيوخ ذكرى ثورة نوفمبر، وفي نفوس الكهول -الذين شهدوا أحداث العشرية السوداء- مشاعر التضامن وكأنهم جميعا على قلب رجل واحد في مواجهة من قتلوا دون وجه حق، أما نحن الشباب الذين لم نشهد ثورة التحرير وما ندرك منها إلا ما خزنته ذاكرة كبارنا، وما سربته لنا بعض الآثار وما احتضنته دفات الكتب، ولم نكن في سن يسمح لنا بالتفريق بين القاتل والمجاهد ولا بين الشهيد والقتيل إبان العشرية السوداء، ولم تختبر الحياة قبل ذلك اليوم وتمتحنا نحن أيضا كما فعلت بأبائنا الأولين، فكانت حادثة طائرة الأليوشن فرصة لنا لنقف نحن كذلك ولنسجل موقفنا في التاريخ.

زغردت أم الشهيد والعبرات في مآقيها تخنق زغرودتها التي امتزجت بأنين الألم، تماما كما امتزج دم وليدها مع تراب وطنه، ودثرت جثمان ابنها بالدعاء وبالعلم، ولم تنس وهي تدعو لفلذة كبدها بالمغفرة والرحمة، أن تدعو للجزائر بدوام الأمن والأمان ولو كان الثمن ما تبقى من جثة ابنها المسجى أمامها. بينما ردد والده الرجال فداء للوطن يموت ابني ويحيا الوطن لم أنجبه إلى ليوم كهذا ولم أدخره إلا ليكون حامي الحمى، فيما لم يتأخر أصحاب الشهيد في احتضان والدة الشهيد وتقبيل يدها تباعا تماما كما كان يفعل صديقهم مؤكدين أنهم كلهم أبناءها فإن فقدت واحدًا تداعوا لها جميعا ملبين النداء ملتفين حولها.

التعازي القلبية الصادقة لأسر الشهداء لا لرئيس الجمهورية، والتحايا الحارة للشعب الجزائري -لا لأعضاء الحكومة- الذي وقف وقفة رجل واحد في وجه تكاليف الدهر ومفاجأة الأيام

الشعب وحده داوى جراح بعضه البعض، وحمل الشهداء في قلبه للأبد وعلى كتفيه إلى مثواهم الأخير. وفتح آل البليدة بيوتهم على مصراعيها لاستقبال أسر الشهداء الذين تقاطروا على المستشفيات يهيمون على وجوههم بحثا عن أشلاء داخل كيس تسمى جثة ابنهم الجندي، ومن ضاقت بهم البيوت نُصبت لهم الخيم تقييهم ما استطاعت القر والمطر، فالجزائر العميقة وحدها من تُحس بألام بعضها. فيما -للأسف- كان تفاعل الجانب الرسمي محتشما جدا فوزير الشؤون الدينية أدى واجه إزاء الشعب بـ" قصعة كسكس"، بينما وزير الرياضة فبعد أن اصطبر مدة الحداد الذي دام 3 أيام ولم يتأخر في اليوم الرابع عن إعلان عودة المباريات إلى سابق عهدها، فيما لم يستطع التلفزيون الرسمي الجزائري الاحتمال أكثر وبث برنامجه الخارق للعادة "ألحان وشباب" الذي يقوم على الغناء والرقص أساسا في اليوم الرابع.

أما قطاع الصحة ممثلا في إدارة مستشفى البليدة التي اطمأنت واستراحت من حِمل جثث الشهداء إثر نقلهم لمستشفى عين النعجة العسكري، تناسوا أن ناجيا من بين ركام الطائرة يمكث بالمستشفى قصد العلاج وأرسلوه إلى بيته بكل ألامه الجسدية منها والروحية. ولم تتأخر الشعوب العربية -لا الحكومات- في التعبير عن تعاطفها المطلق مع الشعب الجزائري إثر المصاب الجلل الذي ألم به، وكان أهل غزة كعادتهم سباقين في كل خير بالإضافة والكثير من شعوب -لا أنظمة الحكم- بالبلدان العربية. فيما فضل البروفيسور زغلول النجار التنقل إلى الجزائر واتجه إلى بيت الطيار إسماعيل دوسن الذي جنب الجزائر حصيلة كانت ستكون كارثية لو أنه لم يكن ببراعته تلك، وتربط الدكتور النجار بالشعب الجزائري علاقة حب واحترام.

التعازي القلبية الصادقة لأسر الشهداء لا لرئيس الجمهورية، والتحايا الحارة للشعب الجزائري -لا لأعضاء الحكومة- الذي وقف وقفة رجل واحد في وجه تكاليف الدهر ومفاجأة الأيام. ويبقى الواجب الآن بعد أن تجاوز الشعب وقع الصدمة الأولى أن نكفكف دمعه ونتعهد لأسر الشهداء بالسعي في شؤونها وحاجياتها حتى لا يساورها شك بعد ذلك في أن تضحية ابنها ذهبت هباء منثورا.