الجمعة، 30 نوفمبر 2018

المنهج الأسلوبي

تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.

الأسلوبية (stylistucs- stylistique) هي تطبيق المعرفة الألسنية في دراسة الأسلوب R.P.K Hartmann. F.C Stork dictionary of language.P223
وقد كانت كلمة الأسلوب في القرن 14 تدل على كيفية الكتابة ثم أصبحت في القرن 16 تدل على كيفية التعبير لتمحض الدلالة على "كيفية معالجة موضوع ما" في نطاق الفنون الجميلة خلال القرن الـ17م. ثم أصبحت أخيرا تدل على كيفية الكابة الخاصة بكاتب ما، أو جنس ما، أو عهد معين... P.Guiraud. la stylistique.5 eme éd.PUF. Paris. 1967.P05
كانت بداية الأسلوبية مع تلميذ دو سوسير الألسني السويسري شارل بالي CHARLE BALLY (1865-1947) الذي أسس هذا العلم في كتابه الرائد "مبحث في الأسلوبية الفرنسية"  Traité de stylistique française سنة 1990.
وقد تعددت الأسلوبيات بعد بالي حيث وجدنا ضمن "قاموس اللسانيات" لبريان جيل ثلاث أسلوبيات هي:
-         أسلوبية اللغة التي يمثلها شارل بالي.
-         أسلوبية مقارنة.
-         أسلوبية أدبية يمثلها جاكبسون وبيار غيرو ...

أما بيار غيرو في حد ذاته فقد ميز بين أسلوبيتين:
الأسلوبية الوصفية   S. Descriptive وهي أسلوبية الآثار وبديل علم الدلالة، تدرس علاقات الشكل بالفكر، مثلما تدرس الأبنية ووظائفها داخل النظام اللغوي ويمثلها شارل بالي.
الأسلوبية التكوينية S. Génétique  تتشبه بالنقد الأدبي، وتدرس التعبير في علاقته بالمتكلم، معتدة بظروف الكتابة ونفسية الكاتب وهي الأسلوبية المثالية لدى ليو سبيتزر.
أما ج.م. شيفر فقد ميز بين أسلوبيتين مختلفتين:
-         أسلوبية اللغة التي تقوم على التحليل والجرد لمجموع السمات المتغيرة المتعلقة بلغة معطاة. فنقول أسلوبية فرنسية أو ألمانية.. ويمثلها بالي وماروزو وكروصو.
-         الأسلوبية الأدبية: وتقوم على تحليل الوسائل الأسلوبية المحتملة المتعلقة بالممارسات الأدبية مفضلة الأعمال الأدبية في تفردها. وقد استحالة إلى أسلوبية الإنزياح أو أسلوبية سيكولوجية. وروادها: ليو سبيتزر، موريس غرامون، هنري موريي.

أما جينجومبر فيتحدث عن:
-         أسلوبية وصفية تبدأ مع بالي إلى كروصو، غايتها  تصنيف وسائل التعبيرة المحشودة لدى كاتب ما. وتمتد إلى جول ماروزو وليو سبيتزر.
-         أسلوبية بنيوية: تسعى لتحديد المقاييس اللغوية النوعية الملائمة أسلوبيا، يمثلها ريفاتير.
ويؤكد غريماس أن "علم الدلالة والأسلوبية ليسا إلا مظهرين لوصف واحد. يحكم على الأسلوبية بأنها لم توفق إلى الانتظام ضمن اختصاص مستقل. ويقسم غرمياس المقاربات الأسلوبية إلى:
-         الأسلوبية اللسانية: يمثلها بالي.
-         الأسلوبية الأدبية: يمثلها سبيتزر.
وقد تم في الأخير تذويب الأسلوبية والحاقها بالسيميائية سنة 1965حيث لم يتردد ميشال أريفي وأخرون في الإعلان عن موتها.
"هكذا إذن تنشأ الأسلوبية على أنقاض العصر البلاغي المترهل، وترتحل إلى ألمانيا إلى انجلترا إلى فرنسا لتعمر حوالي ستين عاما... ثم يعلن موتها.
على أن حكم الإعدام هذا أطلقه رهط من العلماء وهو لحسن الحظ لم يشمل الكل مما يجعله قابلا للاستئناف، وقد سعى جورج مولينيه لتشريح وضع الأسلوبية فانتهى إلى أنها عايشت ما عايشته قبلها الفيلولوجيا، عندما وضعتا في سياق اختصاصات أخرى، حيث كانتا بمثابتة التابع لمتبوع قبلهما.
وبلغة الناصح ذكٍّر جورج مورينيه الأسلوبية أن "تاريخها إذن هو تاريخ تغيراتها" جورج مورينيه، الأسلوبية، تر: بسام بركة، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1999، ص37.
وعليها أن تلتزم حدودها العلمية، وأن تثق بنفسها، أي أن تستنكف من أن تظل مجرد إجراء علمي مساعد لمناهج وعلوم أخرى.
وصلت الأسلوبية للعالم العربي متأخرة زعاء السبعينات بفعل جهود مشتركة لكل من عبد السلام المسدي، وشكري عياد، وجوزيف ميشال وعدنان بن ذريل...
من جهته د.عبد السلام المسدي كان قد حذر من مغبة ضياع الهوية الأسلوبية في مغبة معارف محاذية.

الأسلوبية والأسلوب stylistique et style
كتب د.غراهام هاف سنة 1969 كتابا بعنوان الأسلوب والأسلوبية، ثم في سنة 1977 كتب د. عبد السلام المسدي كتابا بنفس العنوان.
-         الأسلوبية: عند غريماس مجال البحوث ينضوي تحت تقاليد البلاغة" Greimas et Courtès.Sémiotique. p366
في حين عرفها جون ديبوا بأنها  الدراسة العلمية للأسلوب في الأعمال الأدبية" Dictionnaire de linguistique. P458

-         الأسلوب: ووصعه جورج مولينيه بأنه "طريقة متميزة وفريدة، وخاصة بكاتب معين" جورج مولينيه، الأسلوبية، ص 66
-         عرفه جون ديبوا بأنه سمة الأصالة الفردية للذات الفاعلة في الخطاب " Dictionnaire de linguistique. P456

والأسلوبية في بعض التنظيرات الغربية بلاغة حديثة تحت شكلها المزدوج: علم للتعبير ونقد للأساليب الفردية وهي الوريث المباشر للبلاغة. بينما وصفها المسدي بأنها امتداد للبلاغة ونفي لها في نفس الوقت. عبد السلام المسدي، الأسلوبية والأسلوب، ص 52  وهما يفترقان عند جملة من النقاط: حيث البلاغة علم معياري تعليمي يعتمد فصل الشكل عن المضمون في الخطاب، بينما الأسلوبية علم وصفي تعليلي يرفض الفصل بين دال الخطاب ومدلوله. عبد السلام المسدي، الأسلوبية والأسلوب، ص  53
وقد شكك بعض الدارسين في "علمية" الأسلوبية واكتفوا بوصفها مجالا للبحث أو دراسة...
قسم عدنان بن ذريل الأسلوبية إلى ثلاثة اتجاهات هي: أسلوبية التعبير وعنيت بالتعبير اللغوي. والأسلوبية التكوينية وعنيت بظروف الكتابة وأسلوبية بنيوية وعنيت بالنص الأدبي وجهازه اللغوي.
في حين قسمها عبد المالك مرتاض إلى صنفين هما الأسلوبية التاريخية التي تجيب عن سؤال: لماذا الكاتب وأسلوبية وصفية تجيب عن سؤال كيف يكتب الكاتب.


















الخميس، 29 نوفمبر 2018

المنهج البنيوي

تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.
حسب جون بياجي فإنه من الصعب تميز البنيوية، لأنها تتخذ أشكالا متعددة لتقد قاسما مشتركا موحدا، فضلا عن أنها تتجدد باستمرار، وأنها تستمد روافدها من ألسنية سوسير ونفسانية بياجي وجاك لاكان وحفريات ميشال فوكو وأدبيات رولان بارت.
وسنركز هنا على البنيوية اللسانية التي تحدث عنها جون بياجي في كتابه "البنيوية" حين خلُص إلى أنها "منهج وليست مذهب" جون بياجيه، البنيوية، الطبعة 6، فرنسا، 1974، ص5
رومان جاكوبسون R.jakobson هو من أطلق على البنيوية اسمها الحالي وذلك سنة 1929، لوصف أعمال حلقة براغ اللغوية.
تنهض البنيوية على جملة من الأسس أهمها مستخلصات حلقة جنيف التي تزعمها اللغوي السويسري فردناند دو سوسير Ferdinand de saussure(1857-1913) وهو مؤسس اللسانيات الحديثة،  وجمع تلامذته ملخص دروسه التي قدمها في كتاب سموه بـ"محاضرات في علم اللغة العام" وتم نشر الكتاب سنة 1916 أي بعد ثلاث سنوات من وفاته، وتلامذته الذين أشرفوا على هذا العمل هم: شارل بالي، ألبير سيشهاي.
لم يُقدم دو سوسير على دراسة اللغة عن طريق النحو المقارن الذي كان يدرسه آنئذ علماء اللغة، وفضل أن يدرسها دراسة "وصفية منطفئة على النسق اللغوي الآني، التي كان من آلائها أن اغتنى الدرس اللغوي الحديث بثنائيات جديدة من طراز (اللغة والكلام) (الدال والمدلول) (الآنية والزمانية) ( الوصفية والزمنية). المرجع نفسه، ص65.
كما أن المنهج البنيوي يُعتبر الوريث الشرعي للشكلانية الروسية التي تأثرت بدورها بالنظرية السوسيرية عن طريق جاكوبسون.
1.    الشكلانيون الروس Formalistes Russes (1915-1930)
تعتبر الشكلانية الروسية منبع البنيوية وما تلاها من مناهج متاخمة لها على غرار السيميائية والشعرية...
تطلق تسمية الشكلانين الروس على ائتلاف تجمعيين علميين روسيين هما:
1.أ حلقة موسكو (1915-1920):
تأسست هذه الجماعة على يد رومان جاكوبسون في موسكو رفقة ستة طلبة هم: بيوتر بوغاتريف وغرووري وأوسيب بيرك وبوريس توماشفسكي وكذلك ميخائيل باختين الذي تبرأ منها فيما بعد. وفلاديمير بروب.
تهتم هذه الحلقة بالشعرية واللسانيات وتبحث في شؤون الأدبية وماهية الشكل. نفس المرجع، ص66
1.ب جماعة الأوبوياز opojaz  (1916)
تعني هذه التسمية جمعية دراسة اللغة الشعرية تأسست بمدينة سان بترسبوغ أعضاؤها: فيكتور تشلوفسكي وبوريس ايخنباوم وليف جاكوبنسكي.
قامت الشكلانية الروسية على:
-         التشديد على الاثر الأدبي وأجزائه المكونة.
-          الإلحاح على استقلال الأدب.
سمى هؤلاء العلماء أنفسهم بالمورفولوجيين والتمييزيين، بينما وصفهم أعداؤهم بالشكلانين لأنهم عالجوا "الشكل بوصفه مجموعة من الوظائف لا مجرد صيغة سطحية مبسطة.
وقد خبت هذه الجماعة سنة 1930  وأعلن انتهاؤها رسميا سنة 1932 وهو تاريخ صدور مرسوم عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي يقضي بحل كل التجمعات الأدبية.
2. حلقة براغ cercle de Prague  (1926-1948)
تأسست بزعامة فيليم ماتيسيوس من أعضائها (هافرانيك، تروكا، فاشيك، موكاروفسكي...) تابعت إنجازات السكلانية الروسية، وقدت أطروحتها عن اللغة سنة 1926، كما قدمت مبدأ المحايثة immanence النص الأدبي ضمن مقاربة بنيوية، وسعت لعلمنة الأدب.
3.    جماعة Tel Quel 1960:
ازدهرت الحركة البنيوية في فرنسا خلال الستينات مع جهود جماعة "تال كال" حيث أسسوا مجلة بنفس الاسم، تولى شؤونها الناقد فيليب صولر وزوجته جوليا كرستيفا ورولان بارت وميشال فوكو وجاك دريدا. حيث اهتموا بحقول معرفية شتى كالتحليل النفسي والماركسية واللسانيات.كما دعت لنظرية جديدة في الكتابة كانت معبر للمرور من البنيوية إلى ما بعد البنيوية.
وتحرص جماعة تال كال على النظر الآني المحايث للنصوص، مجردة من أصولها التكوينية والسياقات المحيطة، وكما هي لا كما يجب أن تكون.
وقد نربط بين اسم هذه الجماعة وأعمال الشاعر الفرنسي بول فاليري الذي جاءت بنفس العنوان، حيث أكد أن الأعمال الجميلة في تقديره هي بنات لشكلها الذي يولد قبلها.


في البنيوية لا قيمة للجزء إلا في سياق الكل الذي ينتظم داخله والأولوية دائما للكل على حساب الجزء،  وهي كذلك –أي البنيوية- تولي أهمية بالغة للعلاقات التي هي حسبها أسبق من الكينونة في حد ذاتها، وقد أخذت مبدأها هذا من الفكر المركسي الذي يؤمن بأن "الفرد هو مجموع علاقاته الاجتماعية" ولهذا غيب المنهج البنيوي خصوصية وتفرد النص الأدبي وذوبها في غمرة انشغاله بالكليات، لدرجة أن صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث، منشورات جامعة السابع من أفريل، ليبيا، ص 114 يصف ميشال فوكو والبنيوية فيقول "البنيوية هي من أجل الآخرين، أي من أجل أؤلئك الذين يرون الغابة ولا يرون الأشجار."
يعتبر رولان بارت النص جملة كبيرة، يجزؤها المنهج البنيوي إلى أجزاء صغيرة قابلة للتحليل.
وصلت البنيوية للعالم العربي في سبعينات القرن الماضي، وقد تزعم هذا الاتجاه د. رشاد رشدي وتلامذته (محمود الربيعي، مصطفى ناصف، محمد عناني، سمير سرحان، عبد العزيز حمودة.)

إن التشابه بين النقد الجديد والبنيوية ساهم في سهولة استيعاب هذه الأخيرة ومهد لتلقيها عند العرب، ومن الكتب التي أرست دعائم هذا المنهج كتاب د.صلاح فضل "نظرية بنائية في النقد الأدبي". بالإضافة إلى د. كمال أبو ديب "في البنية الإيقاعية للشعر العربي" وكتاب محمد رشيد ثابت " البنية القصصية ومدلولها الاجتماعي في حديث عيسى بن هشام" وكتاب ابراهيم زكريا "مشكلة البنية".

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

مدرسة النقد الجديد

تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.
مدرسة النقد الجديد

سنة 1941 كتب جون كرو رانسوم كتابه الموسوم بـ"النقد الجديد new criticism " الذي يعتبر الإعلان الرسمي عن ميلاد منهج النقد الجديد في نسخته الأنجلوأمريكية، الذي ترجمه لاحقا محمد غنيمي وأخرون بـ"النقد الحديث" أو "مدرسة النقد الحديثة".
ومما تجدر الإشارة إليه أن الفرنسي رولان بارت بدوره كتب خلال 1963 كتاب بعنوان "تاريخ أم أدب- حول راسين" الذي نظر فيه لنقد جديد لكنه فرنسي هذه المرة، وقد رد ريمون بيكارR. Picard على مؤلف بارت بمؤلف آخر سنة 1965 عنونه بـ"نقد جديد أم خدعة جديدة".
لقد أصبح "النقد الجديد" في نسخته الفرنسية فيما بعد يدل على المناهج النسقية التي تهتم لمضمون النص كالبنيوية والسيميائية...
ليُفرقوا بين النقد الجديد في نسخته الأنجلوساكسونية أضاف الباحثون الفرنسيون أداة التعريف le، فصار لدينا: le new criticism  ، أما النقد الجديد الفرنسي النشأة فقد سُمي: la nouvelle critique.
النقد الجديد الأنجلوأمريكي كان ردا على الاتجاهات الذاتية والتاريخية، ومُستَلهما من أفكار المدرسة التصويرية لإزرا باوند، وأفكار الناقد والشاعر ت.س.إليوت خاصة في جزئية "المعادل الموضوعي" -أي أن يوجد الكاتب لمشاعره المجردة مكافئا واقعيا محسوسا، على أن لا يُسرف الشاعر في المشاعر درءًا للغموض، ولا العكس درءًا للإسراف الشعوري. وخير الأمور أوسطها.- وكذا كتاب "مبادئ النقد الأدبي" وكتاب "العلم والشعر" وكتاب "النقد العملي" لـ أ.ريتشاردز.
ويمكن أن نجمل الخصائص المنهجية للنقد الجديد في:
-         دراسة النص الأدبي بعد اقتلاعه من محيطه السياقي. فمن النص الانطلاق وإليه الوصول. دون اعتبار للمغالطة القصدية أي قصدية الكاتب، ولا المغالطة التأثيرية التأثر العاطفي للمتلقي.
-         القراءة التحليلية وسيلة تحليل مركزية في الدراسات النصية. حيث يتم تقصي معجم النص وتراكيبه اللغوية والبلاغية...
-         الاهتمام بالطبيعة العضوية للنص الأدبي، حيث النص متجانس المكونات الداخلية وهو بنية كلية يستحيل فصل شكلها عن مضمونها. حيث تبنى النقاد الجدد شعار أرشيبالد مكليش "القصيدة توجد ولا تعني" وهذا الوجود يتحقق حسبهم إثر تزاوج الشكل والمضمون.
-         الاهتمام بالتحليل العلمي للنص دون التقويم المعياري.
-         نبذ الالتزام ورفض رسالية الأدب " أي أن الأدب وسيلة اجتماعية، دينية، سياسية...
لقد لمع نجم النقد الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، ثم أفل واندثر وقدد اعتبر كريس بولديك سنة 1957 بيوم حساب هذا المنهج. وذلك لضيق أفقه وتجاهله للسياق التاريخي والعوامل الخارجية، وعدم اهتمامه لا بالمؤلف ولا بالقارئ. نفس المرجع، ص57.

انتقل النقد الجديد للعرب مع بداية الستينات، على يد د. رشاد رشدي ''أول دكتور مصري في الأدب الانجليزي" الذي كتب كتبا عديدة في النقد الجديد وسعى لتأسيس جمعية للنقاد تتبنى قواعد هذا المنهج، وقد آزره بضع من طلابه كمحمد عناني وسمير سرحان. بالإضافة إلى د. محمود الربيعي والناقدة اللبنانية روز غريب...

وملخص ما قام عليه النقد الجديد عند العرب:
-         النص الأدبي ليس نسخة من الواقع، ولكنه معادل فني له.
-         دراسة الأثر الأدبي في ذاته مستقلا عن محيطه السياقي. بعيدا عن الأديب وتفاصيل عيشه والمتلقي وكيفية تلقيه للنص.
-         النص كيان فني يقتضي دراسة لغوية جمالية.
-         النظر إلى النص الأدبي كصورة عضوية متكاملة، موحدة الشكل والمضمون.
-         الدعوة للتحليل ونبذ التقييم وما ينجر عنه من أحكام دون حيثيات. نفس المرجع، ص62.






المنهج التكاملي

تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.
المنهج التكاملي
هو منهج لا يتقيد بمنهج معين، بل يستعين بعدة مناهج حسب ما يقتضيه الطابع التركيبي المعقد للنص الأدبي.
قد يكون ستانلي هايمن رائد هذا المنهج في كتابه "الرؤية المسلحة" الذي كتبه سنة 1947. إلا أن الدعوة العربية لهكذا منهج تزامنت مع ظهور الكتاب الذي تأخرت ترجمته لمنتصف القرن العشرين. حيث بدأت الدعوة العربية للمنهج التكاملي سنة 1948 على يد سيد قطب وشكري فيصل، حيث قسم سيد قطب المناهج إلى ( فني وتاريخي ونفسي) وبتجميع هذه المناهج نُحصل على المنهج المتكامل حيث يصفه قطب بأنه "يتناول العمل الأدبي من جميع زواياه ويتناول صاحبه كذلك، إلى جانب تناوله للبيئة والتاريخ، وأنه لا يغفل القيم الفنية الخالصة" سيد قطب، النقد الأدبي وأصوله ومناهجه، دار الشروق، القاهرة-بيروت، د.ت، ص 114.
وفي الصنة ذاتها كتب شكري فيصل رسالة ماجستير صارت كتابا فيما بعد بعنوان "مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي" خلص فيها إلى منهج جديد سماه المنهج التركيبي، ثم تلاه بعد ذلك د. شوقي ضيف، ود. محمد الصادق عفيفي وغيرهم.

ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا المنهج رغم محاسنه قد وقع في الخلط، حتى صار جُماعا لمناهج ومعلومات مخلوطة دونما ضابط، حسب الربعي بن سلامة، الوجيز في مناهج البحث الأدبي، منشورات جامعة قسنطينة، 2001، ص67. ودعا إلى أن " يتكئ الناقد على منهج محدد يجعل منه نقطة ارتكاز، ينطلق منه للاستفادة من بقية المناهج، بحسب حاجته إلى كل منها في الوقت والمكان المناسبين، على أن يعود إليه بعد تحصيل الفائدة المرجوة، وبذلك فقط  يكتسب البحث ثراءه دون أن يفقد نظامه."
وهو الاتجاه الذي انتهجه حسام الخطيب وأحمد هيكل والناقد اللبناني سامي سويدان، وهو ما ذهب إليه د. عبد الرحمان محمد القعود الذي حرص على اتساق العناصر المنهجية المُركَب بينها، ومن جهته د. نعيم اليافعي أكد على ضرورة التفريق بين عملية التركيب وعملية التلفيق، حيث أن هذه الأخيرة تقوم على جمع المتناقضات وخلطها بغاية الإبقاء على ما كان كما كان، أما التركيب فهو عملية فيزيائية نوعية معقدة تقوم على الصهر والتذويب بنسب متفاوتة وصولا إلى ناتج جديد متسق مع المكونات الأولية. وقد حصر د. اليافعي مقومات المنهج التكاملي في خمسة أسس هي:
-         الموسوعية: أي التسلح بالثقافة النقدية والمعرفية العريضة، حتى يتمكن الناقد من الإلمام بالظاهرة الأدبية المراد دراستها.
-         الانفتاح: أي انفتاح الناقد ذهنيا ونفسيا، وخروجه من شرنقة الذات لمصافحة الآخر ومحاورته، كيفما كان امتداد هذا الآخر في الزمان والمكان.
-         الانتقائية: وهي من عواقب الموسوعية، بخلاف الأحادية الضيقة التي تلزمك بالانقياد إليها لأنك لا تملك خيارا آخر.
-         التركيب: أي بناء مجموعة من العناصر المنتقاة وفق خطة تصورية مرسومة تشدد على طبيعة العناصر المركبة، وطريقة التركيب والغاية التي تستهدفها العملية التركيبية.
-         النص الإبداعي وخصوصيته التي تقتضي "المنهج المناسب للمتن المناسب." نعيم اليافعي، في النقد التكاملي، مجلة البيان، الكويت، عدد 306، جانفي 1996، ص 9-10.
ومن الكتب التي احتفت بهذا المنهج كتاب النقد الأدبي الحديث للدكتور أحمد كمال زكي وكتاب "في النقد الأدبي" د.عبد العزيز عتيق، وكذا كتاب "النقد الأدبي الحديث" للدكتور العربي حسن درويش وكتاب "اتجاهات النقد المعاصر" للأستاذ شايف عكاشة، وكتاب النقد الأدبي الحديث" للدكتور صالح هويدي وكتاب " الوجيز في مناهج البحث الأدبي" للدكتور الربعي بن سلامة، وكتاب النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية" لد. يوسف وغليسي.











المنهج النفساني

تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.
المنهج النفساني
يعتمد المنهج النفسي على نظرية "سيغموند فرويد s.freud الذي خُلاصته أن للكائن البشري رغبات مكبوتة بحث عن الإشباع، وعندما لا يستطيع ذلك فإنه يلجآ إلى حلول أخرى كالأحلام وأحلام اليقظة والأعمال الفنية التي يُبدعها الكاتب تنفيسا منه عن رغبات كامنة في داخله لم يستطع تحقيقها،  والتي قد تكون رغبات جنسية –حسب فرويد- أو أفكار موروثة من اللاشعور الجمعي –حسب يونغ-
ويُمكن إجمال مبادئ المنهج النفساني فيما يلي:
-         ربط النص بلا شعور صاحبه.
-         افتراض وجود بنية نفسية في لاوعي المبدع تنعكس على سطح النص.
-         الشخصيات الورقية شخصيات حقيقية (بدوافع ورغبات...)
-         صاحب النص شخض عصابي، ونصه عرض عصابي، يتسامى في شكل رمزي مقبول اجتماعيا.

وقد فصل الناقد الفرنسي شارل مورون النقد الأدبي عن علم النفس، واقترح منهجا يستعين بالتحليل النفسي لدراسة النصوص ولا يجعله غايته.
ويمكن تقسيم مجالات الدراسات الأدبية النفسية إلى:
1.    سيكولوجية الإبداع: أي دراسة عملية الإبداع في ذاتها (عناصرها وطقوسها...)، والدكتور مصطفى سويف رائد هذا الاتجاه بكتابه "الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة".
2.    سيكولوجية المبدع: أي دراسة شخصية كاتب النص، حيث يتم التنقيب في داخل النص عن نفسية صاحبه. ومن رواد هذا المنهج نجد عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني، ومحمد النويهي.
3.    سيكولوجية التلقي: أي دراسة العلاقة النفسية بين العمل الإبداعي والمتقي.
4.    التحليل النفسي للأدب: ونعني به دراسة العمل الأدبي من زاوية نفسية، وهو مجال الممارسة النقدية النفسانية، ومن رواد هذا المنهج: أمين خولي ومحمد خلف الله أحمد ويوسف سامي اليوسف وجورج طرابلسي...
وفي سنة 1938 أوكلت كلية الآداب في القاهرة لأحمد أمين ومحمد خلف الله مهمة تدريس مقياس " صلة علم النفس بالأدب".
أ‌.       أنصار المنهج النفساني:
وعلى رأس أنصار هذا المنهج نجد العقاد الذي مارس النقد النفساني، وأزره نظريا في مقالة "النقد السيكولوجي- 1961- ووصفه في كتابه "يوميات" بأنه ''الأحق بالتفضيل، في رأيي وذوقي معا" ص 10.
ومن جهته جورج طرابيشي مارس يقول منتصرا للمنهج النفساني "... لم أشعر أن هناك منهج قادر على الدخول إلى قلب العمل الأدبي وإعطائه أبعادًا، وأن يكشف عن أبعاد خفية أو فلنقل تحتية، كمنهج التحليل النفسي." محاورة مع جورج طرابيشي، ضمن: أسئلة النقد، لجهاد فاضل، الدار العربية للكتاب، د.ت، ص 94. المرجع نفسه ص 26.
ب‌.  خصوم المنهج النفساني
نجد محمد مندور في الطليعة، حيث دعا لفصل الأدب عن العلوم الأخرى بما فيها علم النفس، بل وتنحية العلم ككل عن الأدب ونقده، لأن "الأدب لا يمكن أن نُجدده ... إلا بعناصره الداخلية، عناصره الأدبية البحتة." محمد مندور، في الميزان الجديد، دار نهضة مصر، الفجالة-القاهرة، د.ت، ص 171.
من جهته انتقد محي الدين صبحي المنهج النفساني من كونه يخلط "بين (الشخصية الشعرية) و( شخصية الشاعر) دون الانتباه إلى أن الشخصية الأدبية افتراضية، وعليه فإن الخلط بين (أنا الشاعر) و(أنا الشخص التاريخي) خطأ فادح، ومن هنا يسقط المنهج النفسي بأكمله".
ويُعتبر د. محمد مرتاض من ألد أعداء القراءة النفسانية التي وصفها بـ: المريضة المتسلطة، وانتقد أسس النظرية النفسية التي تجعل من الأديب مريض –حتما- والنص المبدَع نص مرض حتما، وفي هذا يقول ''فكأن هذا التيار لا يبحث إلا عن الأمراض، فإن لم تكن توهمها توهما... لكي يبلغ غايته التي تتجسد في التماس الأعراض والأمراض ما ظهر منها وما بطن، والتي يجب أن تُقارف الأديب وتُلازمه ولا تُزايله، فكل أديب مريض، وإذن فكل أدب نتيجة لذلك المرض أيضا" مجلة تجليات الحداثة، جامعة وهران، عدد 4، 1996، ص 18-19.
عيوب التطبيقات النفسانية:
-         الاهتمام بصاحب النص على حساب النص ذاته.
-         الربط بين النص ونفسية صاحبه، مع الاهتمام المبالغ فيه باللاوعي.
-         المساواة بين النصوص الرديئة والجيدة.
-         الإفراط في التفسير الجنسي للرموز الفنية.
-         التعسف في فرض التأويلات النفسية على النصوص.
-         الاهتمام بالمضمون النفسي للنص (السلوكات والعقد) على حساب الشكل الفني. وفرويد نفسه يعترف بأنه "ليس للتحليل النفسي ما يقوله عن أدبية الأدب، لأن الكشف عن التقنية ليس من اهتماماته ولا من اختصاصه." نقلا عن خريستو نجم، في النقد الأدبي والتحليل النفسي، دار الجيل، بيروت، 1991، ص34.