الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

المنهج التاريخي



تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.
2. المنهج التاريخي
يعتبر المنهج التاريخي من أقدم وأعتى المناهج، حيث "استدت –المناهج الأخرى- بصيغة من الصيغ قانونها الأساسي، من الاعتراض عليه أو مناقضته جذريا" عبد السلام المسدي، في آليات النقد الأدبي، دار الجنوب، تونس1994، ص 79.
حيث يتخذ هذا المنهج من حوادث التاريخ وسيلة لتفسير الأدب وتعليل ظواهره، وانطلاقا من قاعدة الإنسان ابن بيئته فقد أفاد المنهج التاريخي وأعان على فهم بواعث نشأة الظواهر والتيارات الأدبية المرتبطة بالمجتمع.
النص ثمرة صاحبه والأديب صورة لثقافته، والثقافة إفراز للبيئة، والبيئة جزء من التاريخ، فإذا النقد تأريخ للأديب من خلال بيئته." عبد السلام المسدي، في آليات النقد الأدبي، ص88
وإذا كان الأمر كذلك فهو "مفيد في دراسة تطور أدبي ما، لكن ليس في الكشف عن نتائج الدراسات، فالمنهج التاريخي شأنه شأن الخطوط الأولية في الرسم يمحى عندما تكتمل الصورة." ر.م. ألبيريس، الاتجاهات الأدبية الحديثة، ترجمة جورج طرابيشي، ط2، منشورات عويدات بيروت-باريس، 1980، ص6.
إنه بتعبير أخر "تمهيد للنقد الأدبي، تمهيد لازم، ولكنه لا يجوز أن نقف عنده، وإلا كنا كمن يجمع المواد الأولية ثم لا يُقسم البناء." محمد مندور، في الميزان الجديد، دار نهضة مصر، الفجالة-القاهرة، د.ت، ص 129.
يعد النقد العلمي شكلا مبكرا للنقد التاريخي، من أبرز رواده:
-         هيبوليت تين: مؤرخ وناقد فرنسية، اشتهر بثلاثيته التي درس في ضوئها النصوص الأدبية،
1.العرق: race أي الخصائص الفطرية المشتركة بين أفراد الأمة الواحدة المنحدرة من جنس واحد.
2. البيئة: milieu  بمعنى الفضاء الجغرافي وانعكاساته الاجتماعية في النص الادبي.
3. الزمان: temps أي مجموع الظروف السياسية والثقافية والدينية التي تؤثر على النص.
- فردينان برونتيار: الناقد الفرنسي الذي أمن بنظرية التطور الدارونية وسعى لتطبيقها على الأدب، حيث الأنواع الأدبية كائنات عضوية تتكاثر وتتطور من البساطة للتعقيد حتى تصل إلى مرحلة النضج تماما كما تطور القرد إلى إنسان، وقد ألف كتابه (تطور الأنواع الأدبية سنة 1890) مقتديا بكتاب "أصل الأنواع" لداروين.
وقد مثل برونتيار لفرضيته هذه بفكرة تطور الفنون عن بعضها البعض، حيث الخطابة الدينية في القرن الـ17 كانت تُعنى بالحياة والإنسان والطبيعة، ثم صارت شعرا رومانسيا في القرن الـ19 حيث تغنى بالمشاعر الروحية والشكوى من الحياة واللجوء للطبيعة، ومنه فإن وحدة الموضوعات مع اختلاف الصياغة بين الوعظ إلى الشعر دليل على أن هذا منحدر عن ذلك حسب برونتيار. نفس المرجع السابق، ص17.
-         سانت بيف: ناقد فرنسي (أستاذ تين) انصب كل تركيزه على شخصية الأديب، حيث يقول أنه '' كما تكون الشجرة تكون الثمرة" لذلك كان يتقصى على حياة المبدع الشخصية والمادية والأخلاقية... ضمن ما يسميه "وعاء الكاتب" الذي هو –حسبه- الأساس المسبق لفهم ما يكتبه ونقده. وعنه يقول د. محمد مندور "كان نقده قد سُمي بالنقد التاريخي فمن الواجب أن نفهمه على أنه نقد تفسيري" محمد مندور، في الأدب والنقد، ص89.
-         غستاف لاونسون:  ناقد فرنسي، يعتبره الكثيرون رائد المنهج التاريخي بل إن المنهج صار يُنسب له (اللانسونية lonsonisme )، في مقالة بعنوان "منهج تاريخ الأدب" التي نُشرت في مجلة revue du moi  حدد لاونسون خطوات المنهج التاريخي.
ثم واصل ريمون بيكار بعد لاونسون التقعيد للمنهج التاريخي، إلى أن تمت الإطاحة بالمنهج من طرف رولان بارت.
في العالم العربي وصل المنهج التاريخي في بدايات القرن العشرين على يد أساتذة تلمذوا على يد كبار النقاد الفرنسيين يتزعمهم أحمد ضيف.
بالإضافة لطه حسين، وزكي مبارك، وأحمد أمين.
ويُعد محمد مندور الجسر التاريخي بين النقدين العربي والفرنسي، حيث أصدر كتابا "النقد المنهجي عند العرب".
" وعموما فإن النقد التاريخي اتسم بما يلي:
1.    الازدهار في أحضان البحوث الأكاديمية المتخصصة التي عدته منهجا لا بديل عنه.
2.    الربط الآلي بين النص الأدبي ومحيطه السياقي، واعتبار الأول وثيقة للثاني.
3.    الاهتمام بدراسة المدونات الأدبية الممتدة تاريخيا، مع التركيز على النصوص الأكثر تمثيلا للمرحلة التاريخية المدروسة...
4.    المبالغة في التعميم والاستقراء الناقص .
5.    الاهتمام بالمبدع والبيئة الإبداعية على حساب النص الإبداعي.
6.    التركيز على المضمون وسياقاته الخارجية، مع تغييب واضح للخصوصية الأدبية للنص.
7.    التعامل مع النصوص المدروسة على أنها مخطوطات بحاجة للتوثيق... مع محاولة لم شتاتها وتأكيدها بالوثائق والصور والفهارس والملاحق.

وهكذا تبدو الأهمية الأساسية لهذا المنهج في أنه يُقدم جهودا مضنية في سبيل تقديم المادة الأدبية الخام، أما دراسة هذه المادة في ذاتها فإنها أوسع من أن يستوعبها مثل هذا القالب المنهجي الضيق..." نفس المرجع، ص 21.












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق