إن التشبث بالشرعة
المنهجية يجيء خوفا من الوقوع في اتباع الهوى، لذلك كانت حاجتنا للمنهج كحاجتنا
إلى طريق واضح جلي نسلكه في سبيل البحث عن غايتنا في هذه الحياة.
تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.
تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف د. يوسف وغليسي الموسوم بـ "مناهج النقد الأدبي"، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا منا له بأهمية ما أنجز.
1.
المنهج الانطباعي:
الانطباعية في
قاموس لاروس –impressionnisme- هي مدرسة فنية تشكيلية ظهرت
ما بين 1874-1886 من خلال ثمانية معارض بباريس، حيث "تحصر وظيفة الفنان في
اقتناص انطباعاته البصرية أو العقلية بخصوص موضوع ما، وليس في تصوير ذلك الواقع
الموضوعي" المرجع السابق، ص 8.
كان منطلق
الانطباعية فنيا تشكيليا بحتا من خلال لوحة معنونة بـ"انطباع impression"
للفنان كلود موني، ثم انتقلت الانطباعية بعد ذلك من الفن التشكيلي إلى النقد الأدبي،
على أنها منهج ذاتي حر ينقل فيه الناقد تأثره الأني والمباشر من النص محل الدراسة،
دون تدخل عقلي أو تفكير منطقي، حيث يعكس تأثر الذات الناقدة بالموضوع الإبداعي
محتكما في ذلك على الذوق أساسا.
من رواد هذا
المنهج: سانت بيف الذي كان يكتب النقد بلغة الشعر، وأناطول فرانس الذي سرد في نقده
مغامراته الشخصية، وجول لومارتر الذي يؤكد في كل مرة رأيه حول "أننا لا نُحب
المؤلفات الأدبية لأنها جيدة، بل تبدو جيدة لأننا نحبها" والناقد الحقيقي –حسبه-
هو من يستميل القارئ ويجذبه إليه حتى يُنسيه نفسه وينقله إلى عالمه الخاص. وأندري
جيد الذي جعل من النقد اعترافات شخصية وتعبيرا عن أفكار خاصة، وغوستاف
لانسون-التاريخي الانطباعي- الذي كان يؤمن أن الانطباعية هي المنهج الذي يُمَكننا
من الإحساس بقوة المؤلفات.
المنهج الانطباعي
تُرجم في العالم بأسماء عديدة "المنهج التأثري والذاتي والذوقي
والانفعالي." ويُعتبر طه حسين 1889- 1973 هو زعيم الانطباعية، حتى وإن كان
تاريخيا.
والدكتور محمد
مندور يؤكد كذلك أن " المنهج التأثري... لا يزال قائما وضروريا وبديهيا في كل
نقد سليم، ما دام الأدب كله لا يُمكن أن يتحول إلى معادلات رياضية..." محمد مندور، الأدب وفنونه، دار نهضة مصر، القاهرة، د,ت، ص 140.
وقد اختلف محمد مندور
وزكي نجيب محمود حول سنة 1948 حول، هل
النقد يقوم على "الذوق" أو على "العلم".
فبينما ظل محمد
مندور على أن النقد ليس علما وما ينبغي له أن يكون، وأن قوام النقد التذوق، ولكنه
الذوق المصقول بطول الممارسات القرائية والتحليلية والفهمية." زكي نجيب
محمود، في فلسفة النقد، دار الشروق بيروت-القاهرة، 1979، ص 116.
ظل من جانب أخر
زكي نجيب محمود يُصر على أن النقد علم –أي يخضع لمجموعة قوانين تُفسر الظواهر- وأن
النقد مرجعه العقل لا الذوق، وفي كلان محمد مندور خلط بين قراءتين: فالقارئ الذي
سيصبح ناقدا إنما يقرأ القراءة الأولى فيُحب ما يقرأه أو يكرهه، ثم يوضح ويعلل
وجهة نظره، والتعليل عملية عقلية لأنه رد الظواهر إلى أسبابها. أي أن الذوق خطوة
أولى –لكنها ليست الأخيرة ولا الوحيدة- وهي متروكة للذوق، تليها خطوة أخرى هي
التعليل وهنا محل العقل.
ثم ميز بعد سنوات
طوال د. محمد مندوربين مرحلة الذوق ومرحلة التبرير الموضوعي ضمن النقد الانطباعي.
"والنقد
التأثري لا زلت أعتقد أنه الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه كل نقد سليم، لأنه لا
يمكننا أن ندرك القيم الجمالية في الأدب بأي تحليل موضوعي ولا بتطبيق أية أصول أو
قواعد تطبيقا آليا... وإنما تُدرك العلوم بالتذوق المباشر، ثم نستعين بعد ذلك
بالتحليل لتفسير هذه الطعوم وتعليل حلاوتها أو مرارتها." محمد مندور، معارك أدبية، دار نهضة مصر، الفجالة- القاهرة، د.ت،
ص 05.
كما دعا الناقد
والروائي يحي حقي إلى المنهج الانطباعي النقاد، في مقدمة كتابه " خطوات في
النقد"، " أن لا يحطوا على النقد كلاكل نظريات النقد المتسوردة فإنها
تخنقه" يحي حقي، خطوات في النقد، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، 1976، ص 9.
وهو يؤكد في نفس
الكتاب السابق على أنه " لا أنكر أنني لم أخرج عن دائرة النقد التأثري، لعل
السبب أنني لم ألتحق بكلية آداب في إحدى الجامعات..."
وجُماع القول في
ما سبق، ان النقد الانطباعي يقوم على عصبة من الخصائص نوردها كما فعل د.يوسف
وغليسي في كتابه "مناهج النقد الأدبي"
أ. محاربة القواعد العلمية والمعايير النقدية الأكاديمية، والذوق مركز الدائرة
النقدية الانطباعية.
ب. الافراط في استحسان النصوص أو استهجانها، وهو ما سما جابر عصفور بثنائية
"الحب والكره" جابر عصفور، المرايا
المتجاورة-دراسة في نقد طه حسين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983، ص 309.
ت. الذوبان في النصوص المعجب بها والتماهي في
أصحابها.
ث. العدول عن النصوص إلى أجواء من الهوامش والخواطر والذكريات... ووصف جابر
عصفور هذا الفعل ''كمن تشغله التموجات الدائرية الممتدة على صفحة الماء عن الحجر
الذي أثار التموجات" جابر عصفور، المرايا المتجاورة،
ص 306.
ج. الاسراف في استعمال اللغة الانشائية الشاعرية التي يطغى عليها ضمير المتكلم
أنا وصيغة أفعال التفضيل، وسائر الأساليب الانفعالية... نفس
المرجع، ص 14.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق